العالم الاقتصادي- رصد
وضع المطورون العقاريون في تركيا المباني المستدامة هدفا في خططهم القادمة حتى تكون منسجمة مع البيئة، في خطوة رأى خبراء أنها محفوفة بالمطبات التي ستكون التمويلات أبرزها، خاصة وأن أنقرة انضمت للتو إلى اتفاقية باريس للمناخ وتحتاج مستثمرين لتنفيذ مشاريع المدن المستدامة.
بدأ المطورون العقاريون في تركيا يفكرون مؤخرا في التركيز على تشييد مبان صديقة للبيئة، في إطار الحراك الذي يشهده العالم بحثًا عن حلول ضد تغير المناخ العالمي، لكن للوصول إلى هدفهم عليهم تجاوز العديد من التحديات التي قد تقف عائقا أمام ذلك.
ولا يخفي المطورون صعوبة المهمة حيث يؤكد أردال أرن، رئيس اتحاد المقاولين الأتراك، أن التدابير الواجب اتخاذها من أجل بناء مدن مستدامة بدأت تتحول إلى حاجة ملحة بالتزامن مع تفاقم أزمة المناخ العالمية.
ونسبت وكالة الأناضول إلى أرن قوله بمناسبة حلول يوم التمدن العالمي، الموافق للثامن من نوفمبر من كل عام، إن “مسألة بناء مدن مستدامة صديقة للبيئة باتت تشغل أجندة مكافحة أزمة المناخ أكثر من أي وقت مضى”.
ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة فإن أكثر من نصف سكان العالم باتوا يعيشون في المدن منذ 2007، ومن المتوقع أن يرتفع هذا المعدل إلى 60 في المئة بحلول 2030.
وتساهم المدن والعواصم بنحو 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتمثل أيضا حوالي 70 في المئة من انبعاثات الكربون العالمية وتستهلك أكثر من 60 في المئة من موارد الطاقة العالمية.
وأكد أرن أهمية تعزيز مفهوم “البناء المستدام” حول العالم، في ظل ازدياد الحاجة إلى سياسات تشمل مراعاة احتياجات الأجيال القادمة والاستخدام الفعّال للموارد والحفاظ على الطاقة واختيار مواد بناء صديقة للبيئة.
وتقوم المدن المستدامة على بناء مبان سكنية وتجارية صفرية الطاقة، أي تولد طاقة متجددة فقط دون الحاجة إلى مصادر طاقة مولدة من الوقود الأحفوري، وهي جزء من مفهوم مدن تصدر صفر انبعاثات كربونية.
ولذلك يعتقد أرن أنه يجب إعطاء الأولوية للتكنولوجيا، من خلال إقامة مشاريع البناء بإشراف مهندسين معماريين واستشاريين تقنيين، وأن “تكون المشاريع التي يجري تشييدها ذات عمر افتراضي يبلغ 100 عام على الأقل”.
وكان وزير البيئة التركي مراد قوروم قد قال الأسبوع الماضي إن بلاده توصلت لاتفاقات مع عدة جهات مانحة للحصول على تمويل بقيمة تناهز ثلاثة مليارات دولار لدعم مشاريع التحول الأخضر.
لكن تبقى ثمة مشاكل، فرئيس اتحاد المقاولين الأتراك يدرك أنه رغم الأهمية الحيوية للتحول الحضري بالنسبة إلى تركيا إلا أن بلده يعاني من مخاطر حدوث زلازل.
وقال: “يجب تنفيذ هذا التحول على أساس شامل مع مراعاة البنية التحتية الحضرية والخصوصية التاريخية للأبنية، والحرص على أن تكون هذه الأبنية صديقة للبيئة من حيث التخطيط والتنفيذ”.
وشرعت منذ سنوات عدة دول، وخاصة في المنطقة العربية مثل الإمارات، في دعم المشاريع المبتكرة والإبداعية وكذلك دعم مشاريع المباني الخضراء وتقنيات الاستخدام الفعال للطاقة.
ولفت طيفون كوجك أوغلو رئيس مجلس إدارة جمعية صناع مواد البناء التركية، الانتباه أيضاً إلى الزيادة في تكاليف الطاقة في جميع أنحاء العالم.
وأشار كوجك إلى ضرورة التركيز على المباني المستدامة لزيادة عدد الأبنية المقاومة للزلازل والموفرة للطاقة في جميع المدن التركية.
وأكد أن أزمة المناخ العالمية تتطلب كفاءة في إدارة موارد الطاقة وخصوصا في المدن الكبرى، وأن المقاولين الأتراك بدأوا مؤخرًا بالتركيز على بناء مدن مستدامة في هذا الإطار.
وتجعل التكاليف المتزايدة للطاقة بشكل كبير في جميع أنحاء العالم كلّا من المنتج والمستهلك تحت ضغط زيادة الاستهلاك، “لذلك علينا استخدام الطاقة بكفاءة من أجل تقليل الاستهلاك وجعل المدن أكثر ملاءمة للصحة”، بحسب كوجك أوغلو.
وتظهر الأرقام الرسمية أن 35 في المئة من إجمالي الطاقة في تركيا يتم استهلاكها من قبل قطاعي الإسكان والخدمات، و34 في المئة في الصناعة، والباقي في قطاعات النقل والزراعة وتربية الحيوانات والمجالات الأخرى.
وقال كوجك أوغلو “يمكننا توفير بين 30 إلى 40 في المئة من الطاقة المستهلكة، أي ما تصل قيمته إلى 20 مليار دولار، فقط في قطاعي الإسكان والخدمات. لدينا القدرات اللازمة والبنية التحتية والفرصة لتوفير الطاقة”.
المطورون العقاريون في تركيا يفكرون في التركيز على تشييد مبان صديقة للبيئة، في إطار الحراك الذي يشهده العالم بحثًا عن حلول ضد تغير المناخ العالمي
وحتى الآن ليست لتركيا تقاليد في مجال الطاقة المستدامة رغم أنها من بين دول العشرين، بدليل أن نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي أعلن منتصف الشهر الماضي أن موازنة 2022 ستكون بداية الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر.
وقال أمرالله أروصلو رئيس جمعية منتجي عوازل الحرارة والسوائل والصوت: “يجب استغلال فرصة التحول الحضري جيدًا حتى تتمتع جميع مدن تركيا بمبان موفرة للطاقة وآمنة وصحية”.
وأشار أروصلو إلى أن 80 في المئة من المباني في تركيا لا تحتوي على عازل حراري وأن سماكة العزل المطبقة في المدن تتخلف عن نظيراتها من المدن الواقعة في نفس المنطقة المناخية في أوروبا.
وأضاف: “إذا انتبهنا إلى سماكة العزل في جميع المباني التي ستتم إعادة بنائها أثناء عملية التحول الحضري فيمكننا تحقيق توفير في الطاقة بنسبة 90 في المئة تقريبًا مقارنة بالمباني التي لا تتبع معايير العزل”.
وبحسب إحصائيات الجهات المعنية بالطاقة في تركيا فإن 80 في المئة من الطاقة المستخدمة في المباني تُستهلك لأغراض التدفئة والتبريد وأن التكلفة الإجمالية للطاقة تبلغ قرابة 60 مليار دولار كل عام.
ورغم أن الأوساط العقارية تعتقد أن تركيا تمتلك القدرة على توفير 9 مليارات دولار سنويا من خلال تشييد مبان موفرة للطاقة، لكن نجاح أي خطوة سيكون رهين السياسة التي سيتم اتباعها، والأهم من ذلك هو توفير التمويلات اللازمة في ظل ما تعانيه العملة المحلية وتذبذب البيئة الاستثمارية.
– العرب-
Discussion about this post