بقلم: ريم شيخ حمدان
معروفٌ أن الذهب بكل أنواعه الأصفر والأبيض والأسود، القمحي والقطني والنفطي وحتى المعدني يعتبر مورداً طبيعياً يساهم في التنمية الاقتصادية، إلا أنه بجميع أنواعه لا يعتبر من الموارد المستدامة التي تكفي للحفاظ على ازدهار أي دولة.
وعلى الرغم مما نسمع بأنه إذا جمعت المحاصيل قبل فوات الأوان فلن يكون المُنتج قد نضج بعد وبالتالي لن يشتريه أحد، وكذلك إذا تأخرت عن الموعد المناسب للحصاد فلن يصلح إلا لإيجاد طريقة في التخلص منه.
فهل نحتاج لنهج معرفة يحافظ على المنتجات والخدمات والأصول اللامحدودة وغير الملموسة يمثل محصول القوة والقيمة المضافة؟
كثيراً ما يُقال بأننا انتقلنا من عالم يندر فيه التعليم إلى عالم يتوافر فيه التعليم بغزارة، ومن عالم بطيء الابتكار إلى آخر يعتبر الابتكار فيه متسارعاً بإثارة الأمر الذي جعل عالمنا يعاني نقصاً في معظم المجالات للمهارات، فيدق أجراس الإنذار بجدية لتطوير أنفسنا وإدراك أن المهارات ستكون في المستقبل هي مفتاحه والعملة!
فهل تم استكشاف هذه النقلة وأين تكمن الفجوة؟
في وقت مضى كانت الحاجة إلى فهم سريع لصافي قيمة شركة ما بأن ندرس ميزانيتها العامة لتحديد أصولها وطرح إجمالي مصروفاتها للوصول إلى صافي قيمتها، وكثيراً ما كان يهمل بند صغير جداً يخبر غيابه مزارع ما صاحب مزرعة ما بأن منهجية التقييم المتبعة تلك تفشل في الأخذ بعين الاعتبار القيمة الجوهرية لعمله الزراعي وأفكاره التطويرية ومهاراته وقنوات التوزيع وعلاقاته مع من يعملون معه ومع أرضه والمحاصيل المقبلة والنظم التي يطبقها والعمليات التي يقوم بها ومهاراته القيادية.
يشير ديفيد بليك المؤلف المشارك في كتاب “اقتصاد الخبرة” في إحدى المقابلات معه إلى أنها كثيرة هي المصادر التي نتعلم منها، بل نكتسب منها المعرفة والخبرة ومع ذلك نحتاج للانتقال من عصر إلى عصر لسد الفجوة، حيث كان معظم تعليمنا ومهاراتنا من مدرسة أو اثنتين أو جامعة أو اثنتين، ومن شركتين أو ثلاث على مدار حياتنا المهنية، أما اليوم فأصبحنا نتلقى معظم تعليمنا بطريقة غير رسمية فهو متاح عبر الإنترنت ومن خلال المقالات والفيديوهات والكتب والملفات الصوتية، ورغم ما نملكه من تحيز نحو تقييمنا لخبرتنا إلا أننا بحاجة لنعرف كيف نربط هذين العالمين وأن ندرك أنه في عالم كان يعاني الندرة في التعليم، كان المتفانون هم الأكثر أهمية وامتيازاً، تلك القلة المستعدة لبذل قصارى جهدها لتلقي التعليم الذي يكسبها المهارات، أما الآن في بيئة التعلم المتواصل التي نعايشها فإن المهارة التي تميز بين الأفراد هي تلك المتعلقة بتنسيق المعلومات، فحين تداهمنا الفرص والمعلومات من يستطيع فرز الحقيقي من الزائف هم من يتحلون بتلك الميزة، فيؤكد أنه يجب التفكير في ضوء هذه الأمور بمن هو أفضل خبير يمكننا التعلم منه؟ أو ما هو أفضل مورد يجب أن نستقي منه؟ ولنبدأ علينا تحديد غايتنا أولاً ثم معرفة ما يجب أن نبني خبرتنا عليه.. فيقول: “اعتدنا أن نسأل الأطفال عما يريدون أن يصبحوا حين يكبرون ونحن الآن في عالم يعيد اختراع نصف الوظائف كل /10/ سنوات، لذا علينا البدء في استهداف الغايات والمشكلات بدلاً من استهداف المناصب والمهارات، حالياً حين تلتحق بالجامعة فإنك تتخصص في مادة ما، لكن المشكلة أن العالم الذي تنطبق عليه هذه المادة يتغير بوتيرة فائقة السرعة، لذا يتابع ما أشجع الناس عليه حقاً كي يصبحوا متعلمين ناجحين مدى الحياة هو أن يحبوا مشكلة بعينها، ثم يتعلموا كل ما يحتاجون إليه لحلها، فإذا حددت المشكلة التي تحاول حلها أولاً سيصبح كل شيء تتعلمه منصباً على الغاية والسياق والصلة الخاصة بها، وهذا يحفزنا كمتعلمين لنظل ملتزمين تجاه المشكلة ونبذل قصارى جهدنا لتطوير مهاراتنا، لهذا على كل شخص تحديد هدف لنفسه فبيان الأهداف الشخصية هو البداية الصحيحة لتحديد الغاية.
أما عن الكيفية المقترحة لنقل المعرفة أو الخبرة وتبادلها فيما إذا انتقلنا من الأفراد إلى الشركات أو المؤسسات حيث هناك موظفون قدامى وجدد فيوضح بأنه: “في العالم القديم كان بوسع التدريب وتعليم الموارد البشرية وتطويرها تنسيق الكثير، لكن العالم اليوم أصبح يتحرك بوتيرة فائقة السرعة وما عاد بوسعنا المواكبة، لذا أفضل ما يمكن عمله هو التركيز على ثقافة التعلم، فلكي تمكن الأفراد كي يصبحوا متعلمين ناجحين وتعطيهم ما يحتاجون إليه في وقت حاجتهم عليك أن تدرك أن الأمر كله متعلق بالتمكين والثقة لا بالسيطرة وممارسة الإدارة.
ومهما كان عمرنا فعلينا أن نعلم بأننا لن نكبر أبداً على التعلم، وعلينا دائماً أن نتعلم ونطور مهاراتنا وقدراتنا ونعيد اختراع أنفسنا، وأما السبيل إلى تحقيق هذا فهو التعاون بين أجيال ومستويات خبرة عديدة لغرس ثقافة “المشاركة الاجتماعية للعلم” فهي خطوة مهمة للتعلم إضافة إلى تأصيل تلك الثقافة داخل مؤسساتنا.
تقول شركة مايكرو سوفت: “لا نريد أن نكون أصحاب معرفة.. نريد أن ننشر ثقافة التعلم.. ليس المعرفة وإنما التعلم”.
لقد بدأت الحكومات الآن ترى هذه الفجوة المهاراتية لكن الابتكار يتخطى القدرات على تنمية الكوادر الخبيرة، لذا فإن الدول التي تركز على خبرات شعوبها وتحرص بجدية على تنميتها ستحظى بميزة تنافسية كبرى، إلا أن أهم ما تعانيه المؤسسات هو غياب المهارات والقدرات فيها الذي يمثل تهديداً خطيراً لها عدا أنها غير قادرة على تحديد المهارات والقدرات التي تتمتع بها بالفعل، وهنا يأتي الدور لمساعدة المؤسسات في تمكينها من قياس مهارات وقدرات كل موظف داخلها ومن ثم مساعدة القادة في تحديد المهارات المتوافرة لديهم والتي تنقصهم، وبالتالي يسدون تلك الفجوة على أساس فردي، فيعطون كل موظف خطة تطوير مخصصة له تحوي أفضل الموارد لمساعدته على تطوير نفسه وسد نقص مهاراته، الأمر الذي سيؤدي بشكل جمعي إلى سد هذه الفجوة فتتمتع المؤسسة بموارد مستدامة وتصبح مستعدة للمستقبل بجدارة.
Discussion about this post