بقلم: خلود حكمت شحادة
لوحظ بعد زيادة الرواتب والأجور وبعد أن حلّقت أسعار السلع عموماً والمواد الغذائية خصوصاً أن ((ارتفاع سعر الصرف)) أصبح حُجة مَقيتة على ألسنة الكثير من التجار، وتحولت هذه الحُجة إلى كابوس يرافق حياتنا مع كل طلوع شمس، علماً أن معظمنا لا يعرف (الدولار) شخصياً، ولم يسبق له أن رآه بالعين المجردة، لكن وللأسف غدا يسيطر على لقمة عيشنا بسبب جشع ثلة من تجار الحروب والأزمات.
في ذات الوقت لمسنا في الفترة القريبة الماضية متابعات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لحملتها في حماية المستهلك، وغدت لجان ودوريات المتابعة كابوساً يلاحق جشع التجار، فشهدنا إغلاق محال وإزالة مخالفات وبسطات وتجاوزات، ولوحظ أن محال بيع كثيرة أغلقت أبوابها خوفاً من تلك الدوريات، وهذا مؤشر على أنها تعترف بمخالفاتها بطريقة غير مباشرة، وإلا لماذا التهرب من الدوريات إن لم تكن ثمة مخالفات؟ وقد استبشرنا خيراً في هذه الإجراءات، لكن هناك بعض الثغرات التي يجب أن نسلط الضوء عليها، وهي ليست “قيل عن قال” إنما هي مشاهدات حية بأم العين، ووجدنا أن من واجبنا أن نشير إليها بالبنان، لأننا جميعاً شركاء في قمع الجشع والمخالفات.
هنا.. سأروي مشاهدة حية في منطقة البرامكة المزدحمة بكل شيء من سيارات ومارة وبسطات منتشرة على الرصيف بكثافة غير مسبوقة، سمّاها البعض: “مول البرامكة”، يبحث المرء في الرصيف عن مكان ليسير بأمان فيجده بصعوبة بالغة وبطرق التفافية بين السيارات والناس والبسطات، وأثناء ذلك لاحظتُ وأنا جالسة بجانب نافذة أحد باصات النقل الداخلي أن حالة من الاضطراب تخيّم على أصحاب البسطات، وبدؤوا يجمعون بضاعتهم بسرعة خوفاً من دورية المتابعة التي ستحضر في تلك الأثناء، لكني لم أجد في ذلك المكان أي دورية، وتساءلتُ في قرارة نفسي: كيف عرف هؤلاء أن دورية المتابعة ستصل في هذا الوقت من النهار؟
الجواب جاء سريعاً فقد لاحظتُ شاباً يتحدث مع زميل له داخل الباص ويقول له: “لا داعي لحضورنا ذلك المكان فالجميع جمع بضاعته وأنهى مخالفته قبل وصولنا”، وذكر لزميله بأن هناك من أخبر أصحاب البسطات بقدوم الدورية مسبقاً لذا فقد انتهت المهمة قبل أن تبدأ.
في ذات المكان وفي نفس اليوم وبعد انتهاء الدوام الرسمي ترى المشهد الآخر وهو أن كل من جمع بضاعته وهرب في النهار بدأ بإعادتها في المساء، وعدنا نبحث عن رصيف المارة فلا نجده، والخوف كل الخوف أن هذا المشهد الدرامي يتكرر يومياً في هذا المكان أو في غيره، ولحماية المستهلك علينا أن نسد هذه الثغرات وأن يطبق القانون على الجميع.
نتمنى أن تبقى سطوة الرقابة فوق كل مخالفة وأن يرتدع ذلك المخالف، وليقرأ بتمعن عبارة “إياكم وسورية”، فهذه العبارة لا تخصه وحده بل تخص السوريين جميعهم، فكيف يستقيم أن نتغاضى عن هذا ونقمع ذاك؟ .
إحموا سورية من أنفسكم، من طمعكم وجشعكم، وليكن قلب السوري على سورية، ولنبدأ الإصلاح من أنفسنا، ولتكن رقابتنا ذاتية لنبني ما تم هدمه، وننطلق لسورية متجددة لأن بناء الأوطان يبدأ ببناء الإنسان.