العالم الاقتصادي- رصد
يدفع هاجس تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء بشكل مستدام السلطات المغربية إلى مطاردة الجدوى من وراء توسيع مشاريع الزراعة العضوية على الرغم من بعض التحديات التي تواجهها في طريق تجسيد أهدافها واقعيا.
الرباط- تعكف الحكومة المغربية على توسيع استخدام الزراعة العضوية في عمليات إنتاج المحاصيل بهدف مواجهة آثار التغير المناخي المدمر على القطاع والذي أبقى البلد من بين أعلى دول المنطقة في استيراد الغذاء.
ويعمل المغرب على توسيع مساحة الزراعة العضوية إلى مئة ألف هكتار بحلول 2030، كواحد من البدائل الممكنة للزراعات التي تستنزف كميات كبيرة من المياه.
وقال وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات محمد الصديقي إن وزارته “تعمل على دعم تحويل طرق الإنتاج الزراعي نحو ممارسة الزراعة البيولوجية، للحد من استعمال المواد الكيمياوية وحماية التنوع البيولوجي”.
محمد صديقي: نعمل على تحويل طرق الإنتاج نحو الزراعة البيولوجية
وأوضح أن التحديات المرتبطة بمحدودية الموارد المائية وتفاقم ندرتها بفعل التغيرات المناخية التي تعاني منها البلاد، كما هو الشأن بالعديد من الدول، تستدعي تعزيز قدرات القطاع على مقاومة هذه التغيرات وتطوير أساليب جديدة.
وأكد أن الوزارة تقوم بجهود لمواصلة تأهيل المجتمع الزراعي ودعم الاستثمار في مجال التجهيز بالتقنيات المقتصدة في الماء، والتأمين ضد المخاطر المناخية بتشجيع استخدام طرق زراعية مستدامة، مثل تقنيات البذر المباشر، واعتماد تناوب مكثف للمحاصيل.
ومن بين الأصناف نباتية ذات قدرة على مقاومة التغيرات المناخية ومدرة للدخل، الصبار والخروب والقطف الأسترالي والكبار والأركان، وذلك لأهمية الزراعة المسقية على الاقتصاد في كونها تشكل حوالي 45 في المئة من القيمة المضافة الزراعية.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن المساحات المسقية لا تتعدى 15 في المئة من مجموع مساحة الأراضي المزروعة بالبلاد.
والزراعة العضوية هي نظام زراعي يعتمد على استخدام المواد الطبيعية البيولوجية في الزراعة بدلا من الأسمدة الكيمياوية والمبيدات ومواد المكافحة الضارة بالصحة العامة.
كما لا يسمح فيه باستخدام السلالات والكائنات المحورة وراثيا وكذلك الإشعاع المؤين والمواد الحافظة في عمليات التصنيع والإعداد أو التعليب، وبالتالي تصل المواد الغذائية إلى المستهلك بحالتها الطبيعية.
ويحتاج الإنتاج العضوي إلى فترة تحول من الزراعة الكيمياوية إلى الزراعة العضوية وعمليات تفتيش وتصديق لأماكن الإنتاج وذلك للتأكد من توفر الشروط والمعايير في المنتج العضوي ولضمان حقوق المنتج والمستهلك، ويتم ذلك وفق شروط محددة.
وأكد الخبير الاقتصادي رشيد ساري أن الدعم الذي قدم للمزارعين مؤخرا والذي وصل إلى 10 مليارات درهم (قرابة المليار دولار) خصص جانب منه للاستثمار في مجال الماء.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن “الضرورة اليوم أصبحت تلزم على الجميع الاقتصاد في استهلاك الماء خاصة القطاع الزراعي الذي يمثل 80 في المئة من الحصة الإجمالية المستهلكة سنويا في البلاد”.
سليم قباج: المغرب يمكن أن يكون منافسا إذا استثمر في هذا الاتجاه
وأوضح أن نسبة كبيرة من المنتجات التي يصدرها المغرب تعد بمثابة تصدير للمياه، وهذا ما جعل الجميع يفكر في إحداث إستراتيجية زراعية تنبني على الاقتصاد في استهلاك الماء أو الاعتماد على الاقتصاد الدائري بإعادة استعمال المياه العادمة أو تحلية مياه البحر.
ويرى خبراء في الزراعة ضرورة حماية البذور لضمان مردودية زراعية مرتفعة، على عائدات هذا الصنف من الزراعات، وتأثيره على الإنتاجية.
ويأتي هذا المنحى كون المغرب في أمس الحاجة إلى تأمين اكتفائه الذاتي من المنتجات الغذائية، نظرا لتداعيات جفاف السنة الماضية من جهة، وأملا في تفادي التكلفة الباهظة لاستيرادها من الأسواق الدولية المتأثرة أصلا بتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية والجائحة من جهة أخرى.
وارتباطا بالتغيرات المناخية ومشكلة الفقر المائي، أصبح المغرب يعتمد بشكل كبير على الزراعة العضوية، إذ ترى وزارة الفلاحة أن هذا النوع من الزراعة يوفر فرصا هامة للتنمية المستدامة خاصة في ما يتعلق بتنويع الصادرات والحفاظ على الموارد الطبيعية.
ويقول ساري إن هذه التقنيات مكنت من إعادة النشاط الزراعي لمناطق تعاني حدة في نقص المياه كجهة سوس ماسة وسط البلاد.
واعتبر أن الاستثمار في مجال المياه سيجعل المغرب ينتقل إلى بلد زراعي وفقا للمعايير الدولية، لأن البلد في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تبني إستراتيجية جديدة تعتمد على تقنيات مبتكرة والاستفادة من تجارب ناجحة.
وأعطى ساري مثال تجربة تحلية مياه البحر التي “جعلت صحاري مجموعة من الدول العربية واحات”. وتؤكد الحكومة أن البلاد راكمت إنجازات ومكتسبات مهمة باعتماد سياسة استباقية ومتواصلة للتحكم في مياه الري وترشيدها.
وقال صديقي “لقد تم اعتماد الإستراتيجيات الزراعية من خلال مخطط المغرب الأخضر والجيل الأخضر 2020 /2030”.
وأضاف أن “ترشيد استهلاك المياه في صلب برامجها للرفع من كفاءة استخدام المياه في الري وتعبئة الموارد المائية بأكبر قدر ممكن من الفعالية، من أجل ضمان استخدامها المستدام وتعزيز الأمن الغذائي للبلاد”.
رشيد ساري: شح المياه جعل الحكومة تفكر في إستراتيجية أكثر كفاءة
وأشار إلى أنه بفضل هذه السياسة، عرفت الزراعة تطوراً ملحوظاً، خاصة بفضل المحاصيل المسقية، التي أصبحت تغطي مساحات مهمة تبلغ 1.6 مليون هكتار، منها 1.46 ملیون هكتار مسقية بصفة دائمة.
وحسب وزارة الفلاحة، فإن المساحة المخصصة للزراعة البيولوجية تطورت بشكل ملفت من 4 آلاف هكتار في 2010 إلى 10.3 ألف هكتار بنهاية العام 2020.
ويتطلع المغرب لزيادة المساحات المزروعة بشكل مضاعف لتصل محاصيلها 900 ألف طن سنويا، على أن يخصص نحو ثلثها للسوق المحلية والباقي للتصدير.
وبالنسبة إلى صادرات المنتوجات الزراعية البيولوجية، فقد بلغ حجمها نحو 17 ألف طن منها عشرة آلاف طن من المنتجات المصنعة. وفي صدارة الأنواع التي يتم تصديرها، الحوامض والبواكر وعصير البرتقال المجمد والتوت المجمد وزيت الزيتون وزيت الأركان.
وأشار رئيس نادي مقاولي قطاع المنتجات الحيوية (البيو) سليم قباج، في تصريحات صحافية، إلى أنه رغم كون المساحة المزروعة حاليا لا تضاهي المساحات بالدول الرائدة في القطاع، إلا أنها تعتبر بداية جيدة في البيئة المغاربية.
وقال إن “المغرب يمكنه أن يكون منافسا قويا للدول الأخرى بفضل موقعه الإستراتيجي وانفتاحه على السوق الأوروبية والأفريقية وكذلك ميزاته الأكروإيكولوجية التي تخول له تحويل الزراعة بسلاسة من زراعة مكثفة إلى عضوية”.
ويشكل الزيتون والحوامض واللوز والنباتات العطرية والطبية والخضروات أبرز الأنواع المزروعة وفق نمط الإنتاج البيولوجي حاليا في المغرب بالإضافة إلى منتوجات القطف التلقائي، أهمها الأركان والنباتات العطرية والطبية والخروب والتين الشوكي والكبار.
– العرب –
Discussion about this post