العالم الاقتصادي- رصد
توسعت مصر في إجراءاتها الفنية لمعالجة أزمات شح المياه وتحاول الوصول إلى بدائل حديثة في الري الزراعي لتعويض التأثير السلبي لسد النهضة الإثيوبي على حصتها مع اقتراب أديس أبابا من إنهاء عملية البناء والتشغيل دون التوصل إلى اتفاق ملزم.
اندفعت الحكومة المصرية إلى البحث عن حلول لمشكلة الفقر المائي وتأثيرات سد النهضة الإثيوبي عبر استخدام أدوات الري الحديثة في قطاع الزراعة الذي يستهلك 80 في المئة من إجمالي الاحتياجات السنوية للبلاد.
وبحث وزير الموارد المائية والري هاني سويلم قبل أيام مع خبراء بالبنك الدولي التنسيق المشترك في مجال بحوث التوسع في الاعتماد على الري الحديث لتحديد أولويات ومناطق العمل الفترة المقبلة.
كما ناقش الطرفان دراسة تأثيرات ذلك على معدل شحن الخزان الجوفي وملوحة التربة وكميات الصرف الزراعي، التي تدخل المنظومة المائية في مواقع أخرى.
وأعاد سويلم التأكيد على ما قاله أكثر من مرة خلال الفترة الماضية الرئيس عبدالفتاح السيسي بشأن أن مصر من أكثر دول العالم التي تعاني من الشح المائي، وتبذل جهودا كبيرة لمواجهة التحديات المائية اعتمادا على قواعد علمية.
نادر نورالدين: مصر تستهدف توفير من 5 إلى 7 مليارات متر مكعب من المياه
وتشير مساعي القاهرة للحصول على المزيد من المساعدات المادية والفنية إلى نجاح خطتها نحو توفير بدائل المياه المعرضة للنقصان القادمة من إثيوبيا كمنبع لمياه النيل.
وناقش الاجتماع إمكانية تنفيذ مناطق تجريبية للري الحديث تغطى الظروف البيئية بمناطق مختلفة، وإطلاق حملة توعوية لإشراك المجتمع الزراعي، ووضع معايير للتقييم، وتوثيق الدروس والخبرات المكتسبة من التطبيق.
ويحمل تطوير التعاون بين القاهرة والبنك الدولي أهدافا عديدة تتعلق بإيجاد أساليب عملية لمواجهة أزمة شح المياه عبر توفير استهلاك أقل للأراضي المستخدمة في الزراعة.
وكان البنك وسيطا سابقا في المفاوضات التي خاضتها مصر مع أديس أبابا للوصول إلى اتفاق بشأن سد النهضة وقت أن رعتها الولايات المتحدة قبل فشلها منذ حوالي عامين.
ويعبّر ذلك عن رغبة القاهرة في تعريف المجتمع الدولي بحجم الأضرار الواقعة عليها وأهمية دعمها تقنيا إذا لم تكن هناك ضغوط على إثيوبيا تدفعها للتوصل إلى اتفاق يضمن عدم تأثر حصة مصر من المياه.
كما أن ذلك يعطي دليلا على أن فرص الدخول في مفاوضات جديدة تقلصت في ظل صمت الاتحاد الأفريقي وتجاهل أديس أبابا للجلوس للتفاوض مجددا.
ويؤكد أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة نادر نورالدين أن التعاون بين الطرفين قائم منذ سنوات، وقد حصلت القاهرة على 50 مليون جنيه (نحو 2.5 مليون دولار) لتطوير أساليب الري والتحول إلى طرق الري الحديثة واستغلال المياه عبر تبطين الترع وتحلية مياه البحر.
وقال لـ”العرب” إن “مصر تستهدف توفير من 5 إلى 7 مليارات متر مكعب من المياه جراء التحول من الري السطحي والغمر السائد منذ القدم إلى الري التقني الحديث”.
لكن ألمح إلى أن هذه الخطة تصطدم بوجود ترب طينية في المناطق الزراعية المجاورة للبحر المتوسط في شمال دلتا النيل نتيجة إصابتها برشح مائي مملح يؤثر عليها ويتطلب استخدام الري بالغمر التقليدي.
عباس شراقي: الري الحديث بتكلفته المرتفعة في حاجة إلى مساحات شاسعة
وأشار نورالدين إلى أن خطط القاهرة التي تنفذها بالتعاون مع البنك الدولي وغيره من الهيئات الدولية لتطوير أساليب الري بدأت تطبيقها في أجزاء من الدلتا بشمال القاهرة وبعض محافظات جنوب البلاد، وبالتوازي تقوم بإجراءات للتعامل مع مشكلات شح المياه.
وتريد القاهرة توفير 9 مليارات متر مكعب من تبطين 30 ألف متر مكعب مساحة إجمالي الترع، جرى بالفعل الانتهاء من 6 آلاف متر مكعب منها.
كما تسعى لتوفير 5 مليارات متر مكعب من المياه بإعادة تدوير مياه المخلفات مع افتتاح محطة معالجة مياه “بحر البقر” وقرب الانتهاء من محطة معالجة “ترعة المياه”.
وإلى جانب ذلك توفر مصارف معالجة المياه في غرب الدلتا قرابة 3 مليارات متر مكعب من المياه المعالجة، وهو ما ساعد على التوسع في مشاريع زراعية عديدة.
ويستهدف التعاون ضمان وجود شراكة بين مصر وجهات دولية حال تأثرت حصتها من المياه الواردة من إثيوبيا، وتبلغ 55 مليار متر مكعب سنوياً.
والمتوقع أن تنحسر مع موسم الفيضان بعد المقبل الذي يتزامن مع سنوات عجاف أو سنوات الفيضان الوسطى، بعد أن تمكنت من تجاوز سنوات ملء سد النهضة الثلاث السابقة بفعل الفيضان العالي.
وتعد مصر من بين الدول التي تعاني من ندرة المياه، ويبلغ نصيب الفرد من المياه نحو 555 متراً مكعباً، وفقاً لتقديرات البنك الدولي، الذي صنف الدول التي تعاني من ندرة المياه بتلك التي يقل نصيب الفرد فيها عن ألف متر مكعب.
وتتوقع الحكومة أن ينخفض نصيب الفرد إلى نحو 390 مترا مكعبا بحلول عام 2050، وفقا لتقرير المساهمات الوطنية الذي قدمته القاهرة للأمم المتحدة منتصف العام الحالي.
وأكد أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي لـ”العرب” أن تناقص نصيب الفرد من المياه لا يشكل أزمة في حد ذاتها إذا نجحت القاهرة في رفع كفاءة استخدام المياه المتاحة.
وأوضح أن العديد من الدول التي لا تتجاوز نصف نصيب المواطنين في مصر ليس لديها أزمات شح مياه لأن لديها قدرات تمكنها من تعويض المياه وتحسن استخدامها، وبعض الدول الغنية بالمياه تعاني أزمة في استصلاح الأراضي.
ويمكن قياس رؤية شراقي على دولة الكونغو الديمقراطية التي يصل نصيب الفرد لديها من المياه إلى 15 ألف متر مكعب ولديها نهر الكونغو الذي يعادل 15 ضعفا مياه نهر النيل وتعاني من نقص في مساحات الأراضي الزراعية وتعد من الدول الفقيرة.
والوضع بالنسبة إلى إثيوبيا لا يقل سوءا مع أنه ينبع منها 85 في المئة من إجمالي مياه نهر النيل لكنها لا تستفيد من هطول 900 مليار متر مكعب من الأمطار كل عام، ويعاني نحو 60 في المئة من سكانها مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
ولفت شراقي إلى أن القاهرة تولي اهتماما بتطوير أساليب الري الذي يشكل الجزء الأكبر من هدر المياه ويساعدها على توفير الأسمدة والمبيدات التي تجد صعوبة في الحصول عليها نتيجة انخفاض قيمة الجنيه.
كما أن الحكومة تعمل في الوقت ذاته على زيادة الإنتاجية الزراعية التي توفرها أساليب الري بالتنقيط.
ولكن المشكلة بحسب شراقي تكمن في أن الأراضي القديمة في الوادي والدلتا تُروى بالغمر التقليدي، ولظروف اجتماعية يصعب تغييرها فهي مقسمة على ملاك مختلفين بمساحات صغيرة بعد أن توارثتها الأجيال منذ الخمسينات مع إقرار قوانين الإصلاح الزراعي.
وقال إنه “ليس من المعقول مثلا عمل شبكة ري حديثة لنصف فدان أو أقل، فالري الحديث بتكلفته المرتفعة في حاجة إلى مساحات شاسعة”.
ويتم استخدام أساليب الري الحديث بالفعل في مساحة لا تتجاوز 50 في المئة من إجمالي الأراضي المزروعة في مصر التي تصل إلى 11 مليون فدان خاصة في الأراضي المستصلحة حديثاً بحكم القانون الحالي.
ولا تجذب القروض والمساعدات التي تمنحها الحكومة للمزارعين لاعتماد الري الحديث، إذ يحصل الكثير من هؤلاء على المياه من النيل مباشرة من دون أن يدفعوا نظير حصولهم عليها.
وأطلق البنك المركزي العام الماضي مبادرة لتمويل تحويل 4 ملايين فدان لاستخدام الآليات والوسائل المتطورة لري الأراضي الزراعية.
وجاءت الخطوة في إطار خطة مصر لترشيد استخدام المياه من خلال التيسير على المزارعين وتشجيعهم على الانتقال إلى استخدام آليات الري الحديثة والذكية.
– العرب –
Discussion about this post