المخاض العسير الذي يعيشه العالم العربي منذ سنوات لم يزل مُحتدماً، الاضطرابات السياسية والحروب وتمدد الجماعات الإرهابية وأزمات النزوح واللجوء، تقف عائقاً في طريق التنمية العربية.
في هذا الإطار أشار تقرير المخاطر العالمية السنوي لعام 2017، الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي سنوياً إلى المشاكل السياسية والأمنية التي يعيشها العالم العربي، وفيما يلي تفصيل عن ذبك وفقاً لما ورد في هذا التقرير:
تغييرات أسعار النفط
يبيّن التقرير أن انخفاض أسعار النفط قد أضر كثيراً بالدول العربية المُصدرة للنفط، إذ تراجع معدل النمو في بلدان مجلس التعاون الخليجي إلى 1.6% بسبب اعتمادها الرئيسي على النفط اقتصادياً، في المقابل لم تستفد منه الدول العربية المستوردة بشكل كافٍ، لانشغالها بمشاكل هيكلية اقتصادية واضطرابات سياسية وأمنية.
وبلغت نسبة معدل النمو المتوقع في السعودية 1.6% لسنة 2017 وهو معدل ضعيف جداً بما كانت تحققه المملكة في السنوات السابقة، فإذا لم تتحقَّق التوقعات بمسار تصاعدي لأسعار النفط، فإن ذلك سيؤثر كثيراً على النشاط الاقتصادي لدول الخليج والعراق وليبيا والجزائر، ويعطل مشاريع التنمية ويدفع هذه الدول إلى البحث عن موارد أخرى لتمويل ميزانياتها، ومنها فرض مزيد من الضرائب وتجميد الرواتب ووقف التوظيف، خاصة في القطاع العام، فمثلاً، ستشهد الجزائر تراجعاً في معدل النمو إلى 2.9% بسبب انخفاض الإنفاق على الأشغال العامة.
البطالة وقلّة التوظيف
يرتبط النمو الاقتصادي دائماً بعدد فرص العمل التي يخلقها السوق؛ إذ يكشف التقرير عن أن تفاقم البطالة وضعف التوظيف في المنطقة يعدان من المخاطر التي تهدد الاقتصاد فيها، وتسجل المنطقة العربية ثاني أعلى نسبة بطالة في العالم بـ11.5%، وترتفع هذه النسبة لدى فئة الشباب إذ تقترب من 30%، وخاصة لدى الشباب ذوي التأهيل العالي، وفقاً لتقرير التنمية الإنسـانية العربية للعام 2016.
الأزمات المالية
كذلك تشكل المخاطر المالية التي تعيشها بعض الدول العربية عائقاً آخر قد يقف أمام عجلة النمو الاقتصادي؛ إذ تعاني بعض العملات العربية انهياراً مريعاً أمام الدولار، سيجعلها تتكبد خسائر فادحة، خاصة أن هذه الدول تستورد الكثير من المواد الأساسية من الخارج بالعملة الصعبة، وأبرز الحالات عن ذلك، ما يعيشه الجنيه المصري من مشاكل أدت بالحكومة إلى سياسية التعويم التي قد تؤثر على أسعار المواد الغذائية المدعومة من الحكومة، وعلى مرتبات ومدخرات المواطنين، وذلك يعود إلى ارتفاع أسعار الواردات في بلد يستورد أكثر من نصف احتياجاته الغذائية، ومن المتوقع أن يتراجع معدل النمو في مصر إلى 4.0%، في انتظار أن تثمر سياسة ضبط الوضع المالي خلال العام القادم. كما تعاني تونس مشاكل تتعلق بالتوازنات المالية وانهياراً للعملة المحلية مقابل الدولار واليورو، يتوقع أن تتواصل بسبب ضعف مستويات النمو وتعثر الإصلاحات.
الصراعات الداخلية في الدول
تعتبر الصراعات التي تعيشها بعض الدول أكبر المخاطر التي تهدد الاقتصاد العربي، فحتى الدول التي لا تعيش حروباً أهلية تتأثر سلباً بالحروب التي تدور رحاها في جوارها.
ويحذر تقرير المخاطر لسنة 2017 من أن تواصل الصراعات التي تعيشها دول عربية كسوريا وليبيا واليمن والعراق من شأنه أن يقضي تماماً على النسيج الاقتصادي لهذه الدول ويصيب دول الجوار بأضرار اقتصادية جسيمة.
وكان البنك الدولي قد أشار في وقت سابق في تقرير له حول الآفاق الاقتصادية العالمية 2017، إلى أن “فشل اتفاق وقف إطلاق النار في سورية، والحرب المستمرة في اليمن، والمعارك ضد تنظيم “داعش” في العراق، والأزمة السياسية في ليبيا جزء من حلقة متواصلة من الصراع في المنطقة الذي أدَّى إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان، وإزهاق الأرواح، وتدمير مرافق البنية التحتية، وكان للآثار والتداعيات السلبية غير المباشرة عبْر الحدود، التي تمثَّلت في عرقلة التجارة والضغوط على المالية العامة من جراء طلبات الإنفاق المتصلة باللاجئين والأوضاع الأمنية، وفقدان عائدات السياحة، أضرار جسيمة على المنطقة، وآثار ممتدة وواسعة النطاق في أنحاء العالم”.
الإرهاب
الآفة الخامسة التي هددت نشاط الأعمال والمال في العالم العربي لعام 2017 وفقاً لتقرير المخاطر هي الإرهاب، الذي أصبح يضرب في كل مكان على امتداد الخارطة العربية، بل يتخذ من بعض الدول معاقل له ولتنظيماته.
وحذر التقرير من أن تواصل نشاط الجماعات الإرهابية في المنطقة سيدفع نشاط الأعمال إلى الانكماش وهروب رؤوس الأموال المحلية وسيقلل بشكل كبير تدفق الاستثمارات الأجنبية، خاصة أن الأجانب باتوا هدفاً محبذاً لدى الجماعات الإرهابية، وفقاً لتقسيمهم الثنائي للعالم بين “مسلمين وكفار”.
ولعل القطاع السياحي هو الأكثر تأثراً مباشرةً بظاهرة الإرهاب، إذ سجلت عائدات السياحة تراجعاً كبيراً في دول كمصر وتونس، تعتمد أساساً على السياحة كمصدرٍ للعملة للصعبة ولخلق فرص عمل موسمية ودائمة.
ووفقاً لتقرير البنك الدولي، حول “الآفاق الاقتصادية العالمية 2017” ، فإنه إذا “لم تتحقَّق التوقعات بمسار تصاعدي لأسعار النفط، وتصاعدت حدة الصراعات، وكذلك اشتدت أعمال العنف والإرهاب، فإن ذلك يُنذِر بمخاطر هبوط كبيرة تتهدَّد النمو في المنطقة.
وستؤدي المخاطر المتزايدة بسبب الصراع على الأرجح إلى زيادة الشكوك والضبابية التي تكتنف الأوضاع الاقتصادية، وإبطاء معدلات الاستثمار. وقد تُفجِر إصلاحات الأوضاع المالية العامة والجوانب الهيكلية للاقتصاد سخطاً شعبياً، وما لذلك من آثار سلبية على الثقة، والاستثمارات الأجنبية والنمو”.
أما على المستوى الدولي فقد أكد تقرير المخاطر العالمية لسنة 2017، بأن عدم المساواة الاقتصادية، والاستقطاب المجتمعي، وتكثيف المخاطر البيئية، أهم ثلاثة اتجاهات ستشكل التطورات العالمية على مدى السنوات العشر المقبلة.
ويشير التقرير إلى أن فوز ترامب بالرئاسة في أمريكا (والخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي)، يدل على الاستياء من النظام العالمي الحالي ويتخطى كونه فوزاً انتخابياً، ويطرح ضرورة ملحة لفهم المخاطر العالمية والاستجابة لها في اتجاه إصلاحات جوهرية للرأسمالية العالمية، لمواجهة الغضب الشعبي.
مارغريتا هانوز: هناك حاجة ماسة إلى اتخاذ الزعماء قرارات والعمل معاً لحل التحديات الحرجة
وتقول “مارجريتا هانوز” رئيسة قسم التنافسية والمخاطر العالمية لدى المنتدى الاقتصادي العالمي: “هناك حاجة ماسة إلى اتخاذ الزعماء قرارات لتحديد إجراءات عاجلة للتغلب على الخلافات السياسية أو الأيديولوجية، والعمل معاً على حل التحديات الحرجة، وقد رأينا مثالاً واضحاً لهذا خلال عام 2016 فيما يخص الزخم نحو التصدي لتغير المناخ، وهو ما يبعث على الأمل أن العمل الجماعي على المستوى الدولي والهادف نحو التصدي لمخاطر أخرى، يمكن أن يتحقق أيضاً”.
Discussion about this post