العالم الاقتصادي – رصد
بعد أسبوعين من المفاوضات اتفقت جميع دول العالم التي شاركت في قمة الأمم المتحدة للمناخ “كوب 26” على تسوية لتسريع مكافحة ارتفاع درجات حرارة الأرض تستوجب بالضرورة التقليل من الانبعاثات الكربونية وتخفيض الاعتماد على النفط ضمن خططها المستقبلية لمكافحة تغيّر المناخ.
ومن شأن هذه الإجراءات أن تضرّ باقتصادات الدول النفطية وخاصة منها دول الشرق الأوسط التي لا تبدو مستعدة على الأقل في الوقت الراهن للبدء في عملية تحول سريع نحو تقليل اعتمادها على النفط.
والاثنين دعا منتجو الطاقة الذين اجتمعوا في أبوظبي في أعقاب قمة الأمم المتحدة للمناخ إلى مزيد من الشمولية التي من شأنها أن تؤدي إلى زيادة الاستثمارات في النفط والغاز من أجل أمن الطاقة في الوقت الذي يعملون فيه على الحد من الانبعاثات مع تطوير اقتصاداتهم.
وقال سلطان أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية “أدنوك” إنه لا يمكن للعالم أن “ينفصل فجأة وببساطة” عن المواد الهيدروكربونية، وإن صناعة النفط والغاز تحتاج إلى استثمار أكثر من 600 مليار دولار سنويا حتى عام 2030 لتلبية الطلب المتوقع.
وجاء ذلك في كلمته أمام مؤتمر ومعرض أبوظبي الدولي للبترول “أديبك” الذي شدد فيه وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان على أن الجهود المبذولة لمكافحة تغيّر المناخ يجب أن تركز أيضا وعلى قدم المساواة على أمن الطاقة والنمو الاقتصادي في الدول النامية.
واختتمت محادثات المناخ في غلاسكو السبت بالتوصل إلى اتفاق استهدف للمرة الأولى أنواع الوقود الأحفوري باعتبارها المحرك الأساسي لظاهرة الاحتباس الحراري.
ولم يكن إدراج كلمتي الفحم والنفط سهلًا في التقرير الختامي لمؤتمر المناخ، بعد أن نجحت الهند والصين في اللحظة الأخيرة في القاعة نفسها التي كان من المقرر اختتام أعمال القمة فيها في تعديل الصياغة إلى “تقليص” بدلاً من “التخلي” عن الفحم، ما حمل ألوك شارما رئيس المؤتمر إلى الاعتذار من العالم.
وكانت دول منظمة أوبك المنتجة للنفط قد دافعت في قمة غلاسكو عن دور الوقود الأحفوري في المستقبل وجادلت بأن العالم بإمكانه أن يقلل من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري دون استبعاد النفط والغاز.
ويجادل المدافعون عن النفط والغاز والفحم بأن استخدام تكنولوجيا مثل جمع الكربون وتخزينه، حيث يتم التقاط الانبعاثات وتخزينها تحت الأرض، يمكن أن تسمح للاقتصادات بمواصلة حرق الوقود الأحفوري.
ويرفض نشطاء المناخ ذلك قائلين إن هذه التكنولوجيا باهظة التكلفة ولم يتم التأكد من نتائجها على نطاق واسع ولا توفر سوى غطاء للصناعات التي تتسبب في حدوث تلوث لمواصلة العمل.
وقال الأمين العام لمنظمة أوبك محمد باركيندو إن المشاعر تسيطر تدريجيا على المحادثات، وعبر عن أمله في أن تتخذ القمتان المقبلتان للمناخ في مصر 2022 والإمارات في 2023 نهجا شاملا.
وأضاف أن النفط والغاز “استُهدفا” للمرة الأولى في مؤتمر المناخ “كوب 26” على أساس أنه لا مكان لهما في انتقال العالم إلى مصادر مستدامة للطاقة.
وحسب وجهة نظر باركيندو فإن من النتائج التي تمخض عنها المؤتمر أن الدول المنتجة للنفط سيكون عليها أن تنجز الكثير.
من جانبه قال الرئيس التنفيذي لشركة “أدنوك” إن مؤتمر المناخ “كوب 26” كان ناجحا، مكررا الدعوة إلى نهج عملي لمكافحة التغير المناخي وفي الوقت نفسه ضمان أمن الطاقة على المستوى العالمي.
وأضاف الجابر أنه لتحقيق انتقال ناجح إلى نظام جديد للطاقة لا يمكن الانفصال المفاجئ وببساطة عن نظام الطاقة الحالي.
وقال إن “أدنوك” تعمل على زيادة قدرات جمع الكربون وتخزينه من 800 ألف طن سنويا إلى خمسة ملايين طن وإنها ستستخدم الطاقة النووية والشمسية في شبكة الكهرباء الخاصة بها اعتبارا من يناير المقبل.
وتشير استراتيجيات ومواقف الدول المنتجة للنفط إلى أن النفط والغاز قد يظلان جزءا أصيلا لا يتجزأ من خليط الطاقة المستقبلي لهذه الدول إلى جانب الطاقة النظيفة.
وبناء على ذلك حذر اتحاد لعلماء المناخ من أنه “إذا بقيت البلدان ولاسيما تلك المسؤولة أساسا عن الانبعاثات على سياساتها المتمثلة في اتخاذ خطوات صغيرة وانتهاج سياسة الأعمال أولا كالمعتاد، فإنها ستحكم على الأجيال الحالية والمستقبلية بعالم من المعاناة والأضرار التي لا توصف”.
وبالفعل تعاني البلدان الفقيرة التي تتحمل مسؤولية أقل عن الاحتباس الحراري ولكنها في الخطوط الأولى في مواجهة آثاره والتي حاربت في غلاسكو لانتزاع تمويل محدد “لخسائرها وأضرارها”.
وتضمنت اتفاقية غلاسكو إجراءات خاصة بتمويل الدول الأكثر فقرا والأكثر عرضة للأخطار من أجل التنمية بوسائل نظيفة، والتعامل مع الآثار المناخية ومواجهة الخسائر والأضرار التي تواجهها جراء العواصف والفيضانات والجفاف وارتفاع منسوب البحار.
ورغم أن الكثير من الخبراء أعربوا عن تفاؤل حذر بأن هذه الإجراءات ستحافظ على هدف اتفاقية باريس المتمثل في الحد من الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، إلا أن المدافعين عن البيئة أبقوا على انتقاداتهم بسبب الافتقار إلى الالتزامات المالية من البلدان الغنية التي تتعرض لضغوط لبذل المزيد من الجهد لمساعدة الدول النامية في إزالة الكربون والتعامل مع الظواهر الجوية الأكثر تقلبا.
Discussion about this post