العالم الاقتصادي- محمد النجم
بخطوات ثابتة بدأت عجلة الاقتصاد السوري بالدوران مجدداً بعد أن شارفت الحرب على النهاية، فرقعة الأمان تتسع يوماً بعد يوم، بفضل بطولات وتضحيات الجيش والقوات المسلحة الباسلة، ومسيرة البناء وإعادة الإعمار بدأت بوتائر متسارعة في مختلف المحافظات السورية، كذلك بدأت قطاعات الصناعة والتجارة والسياحة والخدمات بالانتعاش مجدداً، وبجهود وإجراءات حكومية حثيثة أصبح أمام المستثمر المحلي والعربي والأجنبي فرص واعدة للاستثمار في سورية، وسط ارتياح شعبي واسع ومتزايد دفع بمئات الألوف من السوريين للعودة طوعاً إلى وطنهم ومدنهم وقراهم وأعمالهم.
في هذا المناخ تنعقد الدورة 60 من معرض دمشق الدولي بمشاركة محلية وعربية وأجنبية واسعة، بالتوازي مع تحضيرات وجهود بُذلت لإنجاح هذه التظاهرة الاقتصادية الدولية وتحقيق أهدافها الرئيسية، ليس على المستوى المعنوي وحسب؛ وإنما على المستوى الاقتصادي والاستثماري أيضاً، فضلاً عن توقيع اتفاقيات وعقود عربية ودولية، بما ينعكس إيجاباً على مستقبل الاقتصاد الوطني ومسيرة الإعمار، وعودة سورية إلى قوتها الاقتصادية المعهودة.
وللوقوف على أهمية هذه الدورة من كافة النواحي، وعلى الاستعدادات والتحضيرات التي سبقت انعقادها التقت “العالم الاقتصادي” السيد فارس كرتلي مدير عام المؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية والذي تحدث بإسهاب عن أهمية معرض دمشق الدولي في دورته الحالية، وحجم المشاركة في دورته الحالية، والآمال المعقودة عليه، والآفاق التي سيفتحها أمام الاقتصاد السوري بكل جوانبه.. فلنتابع:
استعدادات لاستقبال زوار بأعداد كبيرة
اعتبر مدير عام المؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية أن الدورة الـ60 من المعرض ستكون متميزة بكل معنى الكلمة، من حيث عدد الدول المشاركة والشركات والقطاعات الموجودة، ونوعية المعروضات والعدد المتوقع للزوار بالإضافة لحجم المساحة المشغولة، وأوضح أن الاستعدادات والتحضيرات قبيل المعرض انطوت على الجانب البنيوي الخاص بتهيئة مدينة المعارض وعلى الجانب التسويقي من جهة أخرى متوقعاً أن الدورة الـ60 من المعرض ستشهد أعداداً كبيرة من الزوار نتيجة لتحسن الأوضاع الأمنية في البلاد وقال: تتوزع القطاعات في أجنحة المعرض وفق أربعة قطاعات نسيجية وكيميائية وهندسية وغذائية حيث تم تخصيص جناحين من الأجنحة الدولية الكبيرة لهذا الهدف.
وبين كرتلي أن هذه الدورة تقوم على مساحة 80 ألف متر مربع، وتشمل الكثير من المهرجانات الفنية والملتقيات الثقافية والاقتصادية، لافتاً إلى قرارات حكومية ستصدر في إطار تشجيع المشاركين، مثل ما تم في الدورة الماضية، وهي تتعلق بحسومات على الشحن وتذاكر الطيران والإقامة وغيرها من الأمور التي تصب في خانة توسيع حجم المشاركة بالدورة الستين لمعرض دمشق الدولي.
وحول المساحات المخصصة للقطاع العام والخاص ضمن المعرض قال كرتلي: بالنسبة للمشاركات المحلية والقاعية كان لنا اجتماع مع السيد رئيس الوزراء وعدد من الوزراء والاتحادات ووضعنا نقاط للعمل عليها، وسيشهد المعرض هذا العام مشاركة محلية كبيرة، وفيما يتعلق بإنشاء صالات مسبقة الصنع تحدثنا مع السيد الوزير بهذا الخصوص، فلدينا 6 أجنحة دولية كبيرة، 5 مبنية و1 مكشوف، 8 دولية صغيرة 4 أجنحة وطنية، وجناح الجمهورية العربية السورية وجناح سوق البيع، وهناك بعض الأجنحة أقيمت من قبل مؤسساتها وشركاتها لتثبيت مشاركتها بعدة دورات، 19 جناح، والأجنحة مسبقة الصنع ستكون مجهزة ومكيفة ومجهزة للاستثمار.
مشاركة نحو 2000 شركة من 50 دولة
يشارك في المعرض هذا العام بحسب كرتلي قرابة 2000 شركة ويصل عدد الدول المشاركة سواء كمشاركة رسمية وتجارية إلى 50 دولة، فيما تجاوزت المساحة المباعة 93 ألف متر مربع من العروض المبنية والمكشوفة، ومن المتوقع أن يصل عدد الزوار لأرقام تفوق العام الفائت مع تزايد في المساحات الكلية لتصل إلى قرابة 20000 متر مربع، وزيادة في عدد الدول المشاركة.
وكشف كرتلي أن معرض هذا العام سيشهد حضوراً لشركات ألمانية وإيطالية وإسبانية، كشركات خاصة، ربما لا تمثل مواقف حكوماتها لكن كشركات تجارية ستكون حاضرة في معرض دمشق الدولي، كما سيشهد المعرض مشاركة 250 شركة أجنبية ممثلة بوكلائها السوريين كشركة “سامسونغ” وLG”“ و”توشيبا”، وأضاف: وقد اتخذت جملة من الحلول التقنية لتخفيف الازدحام وإقبال الزوار الكبير على المعرض تتعلق بإيجاد مواقف جديدة للسيارات على مساحات كبيرة تقدر بـ 33 ألف متر مربع كمرآب للسيارات العامة لاستدراك الازدحام كما تم تخصيص 11 منفذ للمارة بدلاً من 3 منافذ فقط لتدارك التدافع والعرقلة ولمساعدة دخول الزوار إلى مدينة المعارض، عبر كل هذه الإجراءات لتسهيل وصول السيارات والمارة.
إيران حاضرة بقوة
أكد مدير عام المؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية أن معرض دمشق الدولي بدورته السابقة 2017 حقق قفزة نوعية على مستوى الشركات المشاركة والتي كانت قد توقفت عن الإنتاج تزامناً مع توقف المعرض لسنوات، واستطاع المعرض أن يشكل قاطرة الاقتصاد السوري ودليل على التعافي السريع مضيفاً: سيكون معرض دمشق الدولي هذا العام متميزاً بنوعية وكم المشاركات الدولية وتنوع المنتجات والمواد المقدمة المعروضة من دول عربية وأجنبية، وفق أجنحة دولية كبيرة وصغيرة ووطنية، إضافة إلى الجناح الوطني السوري، وأسواق للبيع والمهن اليدوية، وأجنحة للخدمات مع مساحات خارجية مكشوفة للعرض.
وحول المشاركة الإيرانية أكد كرتلي أنها من أوسع وأكبر المشاركات المقررة في المعرض، فقد تم حجز جناح يقدر بـ/1200/ متر مربع وتم تنظيم وتجهيز الجناح بـ700 ستاند قابلة للزيادة على المساحة، ويضم الجناح الإيراني الصناعات الثقيلة كالسيارات والآليات الصناعية إضافةً إلى الكهربائيات والأدوات المنزلية ومواد البناء وما شابه.
مدينة المعارض الأكبر في منطقة الشرق الأوسط
وفي حديثه عن مدينة المعارض أوضح كرتلي أنها تضم 12 جناحاً دولياً صغيراً و6 أجنحة دولية كبيرة، فهي الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، وتشمل مراكز للخدمات ورجال الأعمال وقاعة للتخليص الجمركي ومركزاً صحياً ومبنى الإدارة ومبنى للورشات التي تحتاجها المدينة، مساحتها الداخلية 1,2 مليون متر مربع فيها 20 جناحاً، وأجنحة خاصة بالشركات الخاصة، إضافة إلى 48 من أكشاك البيع، وسوق بيع بمساحة 6500 متر مربع، ويتوج ذلك الجناح الوطني لسورية بمساحة 6500 متر مربع ينقسم إلى 4 قاعات أرضية وقاعة داخلية بمساحة عرض 6000 متر مربع ومساحة كاملة 10 آلاف متر مربع.
وأكد كرتلي أن البنى التحتية في مدينة متكاملة حيث تحتوي مباني خدمات صرف صحي ومصارف مطرية و36 محطة تحويل و42 مولدة بقدرات كبيرة، فإذا انقطعت الكهرباء عن دمشق يمكن توليد الكهرباء لكامل مدينة المعارض، إضافة إلى أنه تم العمل مع الشركة العامة للاتصالات على أن يكون الإنترنت مجانياً في معرض دمشق الدولي، إضافة إلى وجود 1500 خط هاتف داخلي وخارجي، ونقاط طبية ونقاط إسعاف ومركز إطفاء خاص، وكامل هذه الخدمات تقدم للعارض بشكل مجاني.
نحتاج تشاركية بين القطاعين العام والخاص
وكشف كرتلي أن صناعة المعارض تراجعت في الحرب وأكد في الوقت نفسه أن هذا التراجع بات شيئاً من الماضي، والدليل على ذلك معرض دمشق الدولي عام 2017، حيث تم تسويق 74 ألف متر مربع، أي أربعة أضعاف معرض بغداد الدولي وضعفي معرض القاهرة الدولي اللذين أقيما هذا العام، وشارك في المعرض 43 دولة، وهذا أعطى مؤشراً بالجدوى الكبيرة لنقل جميع المعارض إلى مدينة المعارض، التي شهدت معرضين بعد معرض دمشق الدولي، وهما معرض خان الحرير ومعرض «صنع في سورية» اللذان نجحا على مختلف الصعد، وامتازا بالعدد الكبير للزوار.
وعما ستقدمه مؤسسة المعارض والأسواق الدولية من خدمات مستقبلاً، أشار كرتلي إلى قيام المؤسسة منذ بداية عام 2018 بـ16 دورة تدريب في التخطيط الاستراتيجي والعلاقات العامة والدعاية والإعلان، وهي الآن بصدد وضع خطة لمرائب جديدة، كما تم بالاتفاق مع المؤسسة العامة للخطوط الحديدية إقامة محطة قطارات تبعد عن مدينة المعارض 600 متر تنقل الزوار بمعدل /20000/ زائر في اليوم، إضافة إلى نقل البضائع، كما تطمح المؤسسة لإقامة صالة متعددة الاستعمالات ومدينة ملاه ومولات ومراكز لبيع السيارات المستعملة، مشدداً على أن كل هذه الإنجازات تحتاج تشاركية بين القطاع العام والخاص لأن الاقتصاد الذي يسير باتجاه واحد هو اقتصاد أعرج، فحتى يكون متكاملاً يجب أن يسير على قدميه الاثنتين ويكون هناك تكامل في العملية الاقتصادية.
وحول الإجراءات المتخذة لتخفيف الازدحام وتسهيل دخول الزوار، أوضح كرتلي أنه تم تخصيص 11 باباً للدخول بدلاً من 3 أبواب كانت معتمدة في دورة عام 2017 لافتاً إلى أن بيع بطاقات الدخول للمعرض سيكون في دمشق، وذلك لمنع الازدحام والتدافع على بوابات الدخول مشيراً إلى تخصيص مساحة 33 ألف متر مربع كمرآب لسيارات العامة.
4.2 مليارات ليرة الخسائر من الإرهاب
قدر المدير العام للمؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية إجمالي الخسائر التي تعرضت لها المؤسسة منذ بداية الأزمة وحتى تاريخه نتيجة الأعمال الإرهابية بلغت قيمتها نحو 4,2 مليارات ليرة، منها خسائر غير مباشرة قيمتها ثلاثة مليارات ليرة تمثل فوات طاقة إنتاجية وأرباح للمؤسسة، وهناك خسائر مباشرة قدرت قيمتها بحوالي 1,2 مليار ليرة هي أضرار في المباني وخدمات البنية التحتية على أرض مدينة المعارض في ريف دمشق، إضافة لأعمال السرقة لأسطول النقل التابع للمؤسسة وغيرها من الخسائر المباشرة التي تعرضت لها المؤسسة خلال سنوات الحرب.
أما فيما يتعلق بعودة تنظيم المعارض فقد أكد كرتلي أن الإقبال الكبير على تنظيم المعارض منذ بداية عام 2018 دليل واضح على بدء تعافي الاقتصاد والصناعة السورية من تأثيرات الأزمة السلبية التي تعيشها سورية بكل مفاصل مقومات البنية التحتية والخدمية والاقتصادية وانعكاسها بشكل سلبي على حياة المواطن اليومية.
وقال: خير دليل على تعافي الاقتصاد عدد المعارض الداخلية التي حصلت على موافقات التنظيم والتي فاقت 60 معرضاً متخصصاً منذ بداية العام 2018 وحتى تاريخه, وهذا دليل واضح على أن عجلة الإنتاج عادت من جديد وهناك إقبال كبير من المنتجين والصناعيين للمشاركة في المعارض المحلية والخارجية بعد توقف لعدة سنوات مضيفاً: هناك أيضاً معارض أخرى تقوم بتنظيمها الاتحادات النوعية كاتحاد المصدرين والصناعة والتجارة والزراعة وغيرها من الجهات التي تعمل بهذا الاتجاه، وكل ذلك يصب في خدمة الاقتصاد الوطني.
إيرادات تقدر بـ1,6 مليار ليرة منذ بداية 2018
وحول الإيرادات الفعلية للمؤسسة منذ بداية العام الحالي وحتى تاريخه أكد كرتلي أنها تقدر بنحو 1,6 مليار ليرة وذلك من خلال تسويق بطاقة يانصيب من جميع الإصدارات ولاسيما الإصدار الأول والثاني لرأس السنة والممتاز والإصدار الدوري، حيث تم تسويقها بالكامل مع وجود بعض المرتجعات لكنها لا تشكل عبئاً كبيراً على المؤسسة، الأمر الذي حقق الجدوى الاقتصادية من الإصدارات المذكورة وتحقيق الأرباح أيضاً ستظهر نتائجها مع نهاية العام الحالي، علما بأن المؤسسة حققت إيرادات إضافية نتيجة استثمار مدينة المعارض من قبل التجار والصناعيين، حيث قدرت قيمتها بمبلغ 72 مليون ليرة.
وأوضح كرتلي تحسن مبيعات المؤسسة خلال العام الحالي قياساً للسنوات السابقة إذ من المتوقع أن تصل القيمة الإجمالية لها مع نهاية العام الحالي بحدود 1,9مليار ليرة, الأمر الذي يدل على عودة نشاط المؤسسة إلى سنوات ما قبل الأزمة وبالصورة التي كانت عليها.
الدورة 59 أرسلت أكثر من رسالة
وفيما يتعلق بالإجراءات المتخذة لتدارك بعض الثغرات التي حصلت في دورة معرض دمشق الدولي الفائتة رغم نجاحه، كالبعد بين الأجنحة القطاعية المتشابهة، وعدم وجود مرآب للسيارات، وخاصة لرجال الأعمال بناء على شكواهم، وأزمة النقل التي حصلت بسبب العدد غير المتوقع لزيارة للمعرض، نفى كرتلي وجود تباعد بين الأجنحة التخصصية، وقال: عموماً سيتم تدارك أية ثغرة حصلت خلال الدورة الماضية، لذا تم العمل على تخصيص مرآب خاص لسيارات رجال الأعمال بغية تسهيل تنقلهم ومستلزمات أجنحتهم، إضافة إلى تخصيص عدد كبير من باصات النقل الداخلي للمساهمة في نقل أكبر عدد من الزوار، إضافة إلى تجهيز قطار الضواحي.
وختم كرتلي حديثه لـ”العالم الاقتصادي” بالقول: راهنَ قسم كبير على عدم إمكانية إقامة المعرض عام 2017، لكن مع إصرارنا والدفع الحكومي كانت تلك الدورة افتتاحية وأبرزت الشعور الوطني للمواطنين وكان لها أثر اقتصادي برهن أن سورية تتمتع بالاكتفاء الذاتي وأنها تستطيع الاعتماد على نفسها، وضربت بعرض الحائط كل التهديدات التي وجهت لسورية، فالدورة 59 أرسلت أكثر من رسالة سياسية واقتصادية ومعنوية ووطنية.
سحوبات على سيارات وشقة سكنية
بحسب كرتلي فإن المشاركة هذا العام ستكون أكبر من العام الفائت لعدة أسباب منها نجاح الدورة الماضية من المعرض والإقبال الكبير الذي حظيت به، ومن جهة أخرى توسع رقعة الأمن والاستقرار في العاصمة دمشق ومحيطها بعد الانتصارات الأخيرة للجيش العربي السوري وتطهير محيط دمشق بالكامل من الإرهاب.
وكشف كرتلي أن جوائز سحوبات بطاقات الدخول التي أقامتها المؤسسة العام الفائت خلال أيام المعرض لن تقتصر هذا العام على ربح سيارات فقط، وإنما على شقة سكنية أيضاً، وبالنسبة للمهرجان الفني ومسرح الطفل سيتضمنان عروضاً مختلفة يتم الإعلان عنها بشكل متلاحق عند تثبيتها.
وأشار كرتلي إلى أن إيرادات اليانصيب قد تراجعت بشكل ملحوظ ولكن هذا التراجع متفاوت بين عام وآخر, ففي العام 2011 تراجعت نسبتها بواقع 17% وفي العام 2012 تراجعت إلى مستوى 30% وفي العام 2013 انخفضت إلى مستوى 27% وفي العام 2015 حتى تاريخه مستوى التراجع يشكل 25% وهذه النسبة قابلة للزيادة والنقصان مع نهاية العام الحالي.
Discussion about this post