بقلم: د. وائـــل عفــــاش
منذ ما يزيد على ألفي عام قبل الميلاد حلم كل من حكيم الصين كونفوشيوس والمعلم الأول أرسطو بالمدينة الفاضلة، وقبل أكثر من ألف عام حلم المعلم الثاني أبو نصر محمد الفارابي أيضاً بالمدينة الفاضلة، وما يجري في الصين اليوم يمثل جهداً متميزاً للاقتراب من صورة المدينة الفاضلة.
درجة الائتمان الاجتماعي
بحلول عام 2020 ستقوم الحكومة الصينية بتطبيق نظام «ائتمان اجتماعي» يشار إليه رسمياً باسم درجة الائتمان الاجتماعي، وهو في الحقيقة عملية دمج بين التكنولوجيا والسلوك الاجتماعي والتمويل تهدف إلى تقييم جدارة كل مواطن بالثقة، ويصنف كل مواطن حسب سيرته وسلوكه حيث سيتم تسجيل كل شخص في الصين في قاعدة بيانات وطنية واسعة تجمع المعلومات الاجتماعية والمالية والحكومية كافة بما ذلك المخالفات المرتكبة، ظهرت الفكرة أولاً في وثيقة من مجلس الدولة الصيني التي نشرتها في تموز 2014، ويقدر عدد المواطنين بأكثر من /1.3/ مليار وسيتم تقييمهم من خلال سلوكهم، وذلك من خلال حصولهم على نقاط وهي متاحة للجميع ليراها.
نتيجة المواطن تأتي من مراقبة السلوك الاجتماعي للفرد ومن عادات الإنفاق الخاصة به ومدى التزامه ودفع الفواتير بانتظام، إلى مختلف التفاعلات الاجتماعية، وستصبح هذه المعلومات أساساً لموثوقية المواطن التي سيتم تصنيفها أيضاً بشكل عام.
المخالفات مثل القيادة السيئة والتدخين في المناطق التي لا يسمح فيها بذلك، ونشر الأخبار المزيفة على الإنترنت تؤدي إلى تناقص النقاط.
تؤثر درجة المواطن في أهليته لعدد من الخدمات، بما في ذلك أنواع الوظائف أو القروض العقارية التي يمكنهم الحصول عليها، وفي حال استنفاد الرصيد فتكسر الثقة، وبالتالي سيحرم من مجموعة كبيرة من الامتيازات، لأن الجميع سيعامل بناء على صدقه سياسياً واجتماعياً وتجارياً وقانونياً.
لا يتوقع أن تبدأ هذه «الخدمة» حتى عام 2020، لكن الصين بدأت بالفعل تنفيذها طوعياً من خلال الشراكة مع عدد من الشركات الخاصة من أجل التوصل إلى التفاصيل الخوارزمية اللازمة لمثل هذا النظام.
شركات صينية بدأت
الشركات التي تعمل في هذا الصدد تشمل شركة التمويل الصيني السريع China Rapid Finance التي هي شريك لعمالقة الشبكات الاجتماعية Sesame Credit , Tencent، وهي شركة تابعة لمجموعة Ant Financial Services التابعة لمجموعة علي بابا (AFSG)، وفقاً لوسائل الإعلام المحلية يأتي برنامج SCS درجة الائتمان الاجتماعي من شركة Tencent مع تطبيق الدردشة QQ الخاص به، حيث تتراوح درجة الفرد بين /300/ و/850/ نقطة وتنقسم إلى خمس فئات فرعية: الروابط الاجتماعية وبسلوك الاستهلال والأمن والثروة والامتثال.
نظام SCS فرصة لتحسين الخدمات
يرى أنصار نظام الائتمان الاجتماعي SCS فرصة لتحسين خدمات الدولة، على حين أنه يجادل البعض بأن نظاماً ائتمانياً اجتماعياً سيتيح للمواطنين الصينيين الوصول إلى الخدمات المالية التي تشتد الحاجة إليها، وتقول الحكومة أيضاً إن هذا سيسمح للأهالي الذين يملكون نقاطاً جيدة بالتجوال في كل مكان تحت السماء، على حين سيجد المدنيون الذين يملكون نقاطاً ضعيفة صعوبة في اتخاذ خطوة واحدة، وفي بعض الحالات يمكن أن يكون هذا عملياً لتطوير المجتمع وإلزام المواطنين تحسين سلوكهم بغرض الحصول على حياة وخدمات أفضل.
إن الهدف التام لإدارة الشؤون المالية للمواطنين من خلال الضوابط والتوازنات الهيكلية يبدو وكأنه حل مناسب لتخفيف الدين العام، وسيشجع بالتأكيد جميع المعنيين على تحسين نشاط ديونهم.
نظام الائتمان الاجتماعي ليس مجرد تصنيف قدرة المواطن على إدارة الديون فحسب في جوهره، بل إنه سيصنف المواطنين ويفرض على الآخرين احترام هذا التصنيف، كما أنه بموجب هذا النظام يمكن الحكم على الشخص من خلال سلوكه ومشترياته مثل الشخص الذي يشتري الدخان كثيراً في اليوم – على سبيل المثال– سيعتبر شخصاً مدمناً الشخص الذي يشتري «حفاضات» بشكل متكرر سيعتبر أحد الوالدين، الذي من المرجح أن يكون لديه شعور بالمسؤولية.
بناء الثقة بين جميع المواطنين
يجادل بعض الصحفيين الغربيين بأن نظام الائتمان الاجتماعي يعتمد على «نظيرة الدفع» التي هي أحد مفاهيم الاقتصاد السلوكي الذي يقترح التعزيز الإيجابي كطريق للتأثير في سلوك واتخاذ القرارات من جانب الجماعات أو الأفراد، فالدفعات تجعل من المرجح أن يتخذ الفرد خياراً معيناً أو يتصرف بطريقة معينة عن طريق تغيير البيئة، بحيث يتم تشغيل العمليات المعرفية التلقائية لمصلحة النتيجة المرجوة، على حين يجادل البعض بأن مثل هذا النظام موجود في القطاعات المالية ومنظمات القروض التي تقدم بالفعل تفاصيل أهلية المدنيين الائتمانية، إذا كان هناك تقصير ما يمنعهم من تحمّل المزيد من الديون التي قد يتعذر عليهم سدادها.
كما يرى بعض المواطنين الصينيين أن أنظمة الائتمان تبني الثقة بين جميع المواطنين، ومن دون نظام يمكن للمتسلل أن يرتكب جريمة في مكان ما ثم يفعل الشيء نفسه مرة أخرى في مكان آخر، لكن نظام الائتمان يضع تاريخ الناس في الماضي في سجل أنه سيبني مجتمعاً أفضل وأكثر عدالة.
حجز فندقي من دون ترك وديعة نقدية
في حي عصري بوسط مدينة بكين كان الكثيرون متحمسين عندما سئلوا عن التصنيفات الائتمانية الخاصة بهم، حيث عرضوها بفخر على هواتفهم المحمولة، إنها مريحة للغاية، ابتسمت شابة وقالت: «لقد حجزنا فندقاً الليلة الماضية باستخدام Sesame Credit ، ولم نكن بحاجة إلى ترك وديعة نقدية.
عززت شركة Sesame فوائد المستهلك في الحصول على درجة ائتمانية جيدة من ملف تعريف بارز على موقع التعارف Baihe إلى حجوزات VIP لدى الفنادق وشركات تأجير السيارات، كما شجع تطبيق الهاتف المحمول التي صممها Sesame Credit المستخدمين على تخمين ما إذا كانت لديهم درجات ائتمانية أعلى أو أقل من أصدقائهم، ما يشجع الجميع على المشاركة في تقييماتهم بشكل مفتوح، لكن يبدو أن قلة من الناس قد فهموا أن النتيجة السيئة يمكن أن تؤذيهم في المستقبل، وتمنعهم من الحصول على قرض مصرفي أو توقيع عقد إيجار، ويأمل الحزب الشيوعي الصيني من خلال تطبيق نظام الائتمان الاجتماعي البعيد المدى بناء ثقافة الصدق والثقة والمجتمع الاشتراكي المتناغم، حيث يكون الإبقاء على الثقة أمراً مهماً.
ولا شك أن ما تقدمه الصين من تجربة بناء مجتمع المدينة الفاضلة سوف يثري الحضارة البشرية ويكون لها بصمتها في بناء مجتمعات أكثر عدالة وإنصافاً.
Discussion about this post