العالم الاقتصادي – دانية الدوس
يقول المثل: أن تأتي متأخراً خيرٌ لك من أن لا تأتي أبداً، فصحيح أن التأخر في الإصلاح بدا واضحاً، لكنه بات أمراً ضرورياً بل حتمياً بعد الحرب، وخاصة أن السيد الرئيس بشار الأسد قد أطلقه في حزيران 2017، فإلى أين وصل هذا المشروع؟ وكيف يمكن إنجاحه؟
“العالم الاقتصادي” التقت مدير معهد التنمية الإدارية الدكتور عصام حيدر وأجرت معه هذا الحوار:
برأيك دكتور كيف يمكن إنجاح مشروع الإصلاح الإداري؟
قبل الإجابة على التساؤل العريض (كيف يمكن إنجاح مشروع الإصلاح الإداري)؛ يتوجب علينا أن نسعى إلى التفكير بآليات كثيرة تساعد على ذلك ولعل الآلية الأساسية التي أفضل الحديث عنها هي تطبيق الإدارة بالشكل الصحيح كعلم وفن، فالفساد الإداري يعني غياب الإدارة الصحيحة، وغياب الإدارة كعلم يعني غياب المختصين الذين يملكون المعرفة بمبادئ ونظريات الإدارة المختلفة، وكذلك بالممارسات الإدارية المطلوبة في التخصصات الإدارية المتنوعة (إدارة موارد بشرية – إدارة مالية – إدارة مشروع – تسويق – جودة …الخ)، أما غيابها كفن فأعني به غياب المدير القائد الذي يفترض أن يوجد في المناصب الإدارية، بمعنى آخر عدم تحلي القائمين على إدارة بعض المنظمات بالمهارات الشخصية والكاريزمية والاجتماعية المطلوبة التي تساعده في استخدام علم الإدارة الذي أشرنا إليه، موضحاً كل هذا الكلام لأجيب عن السؤال؛ فما يمكن أن يقود إلى نجاح مشروع الإصلاح الإداري هو بالدرجة الأولى وجود الكوادر الإدارية المؤهلة فنياً وإدارياً بالشكل الصحيح، والتي تقود إلى وجود الشخص المناسب في المكان المناسب، والمقصود هنا ليس المكتب أو الغرفة التي يعمل بها العامل وإنما العمل نفسه، وآلية بناء المكان المناسب تتم عن طريق إعادة التفكير بالمنظمات والمؤسسات والشركات الموجودة حالياً بصورة كاملة، عن طريق برامج إعادة هيكلتها وبناء وظائفها من جديد، وهذا أمر ليس معقداً أو مستحيلاً
نضيف هنا أن الإدارة باختصار تعني القيام بأعمال وأنشطة وعمليات تقود في النهاية إلى تحقيق أهداف المنظمات بأحسن استخدام للموارد المختلفة (مادية ومعنوية وبشرية)، وهذا يقودنا في كل مؤسسة إلى نقطة البداية، وهي ضرورة التحديد الدقيق للهدف الذي تسعى للوصول إليه وتقييم هذا الهدف بالمعايير الصحيحة، أي الوقوف عند مشروعية هذا الهدف وواقعيته ومدى ملاءمته للمتغيرات البيئية الكثيرة المحيطة، ومن ثم التصحيح في كل هذه النقاط وعندها نملك أهداف دقيقة ومنطقية، دون أن نبقى عند نفس المؤشرات القديمة التي أكل عليها الزمان وشرب، وبعد تحديد هدف المنظمة نبدأ بالتفكير بكامل الآليات التي نحقق بها الأهداف ونرسم الاستراتيجية الملائمة- طبعاً الاستراتيجية الملائمة- ليست وصفة سحرية وجاهزة وملائمة لكل المنظمات فلكل منظمة خصوصيتها التي يجب أن تراعى دوماً.
الإصلاح يعني التغيير باتجاه الأفضل ويجب أن لا يكون المشروع مجرد شعار بل يفترض تفعيله بالشكل الصحيح
إن تحقيق الأهداف يتم عن طريق أداء وممارسة وظائف وأعمال يجب أن تؤدى، وهنا يأتي دور المختصين ببناء هذه الوظائف عن طريق التحليل والتوصيف الدقيقين للوظائف، والذي هو حجر الأساس في عملية بناء المكان المناسب وتحديد مواصفات الشخص الملائم الذي نبحث عنه، مشيراً الى أن ما يجب تحديده في التوصيف معلوم لدى الجميع، لذا يجب إعطاء هذه النقطة الأهمية القصوى، فما نجده في التوصيف الحالي للوظائف إما قديم وغير محدث منذ فترة طويلة أو مختصر ومقتصر على جوانب بسيطة فقط.
وهنا نؤكد ضرورة أن يتضمن توصيف الوظائف تحديداً دقيقاً لكل ما يرتبط بالعمل ومتطلبات شغل هذا العمل، ابتداءً من اسم الوظيفة الملائم والهدف من الوظيفة وموقع هذه الوظيفة في المنظمة وبيئة العمل المادية والمعنوية وأهمية الوظيفة ومهام الوظيفة المختلفة والدورة المستندية للإجراءات المطلوبة للأداء …الخ، بالإضافة لمتطلبات شغل الوظيفة (معارف ومهارات وقدرات وسلوكيات).
بعد هذا التحديد الدقيق للوظائف التي يجب أن تكون موجودة في المنظمة لتحقيق الأهداف ننتقل إلى عملية التقييم للأشخاص الذين يشغلون هذه الوظائف ومقارنة النتيجة مع ما يجب أن يكونوا عليه (التي حددناها من خلال مواصفات شاغلي الوظائف في بطاقات التوصيف) فيكون الباقي عملية سهلة، بمعنى يجب علينا عندئذ السعي للتطابق بين المكان والشخص الذي يشغله عن طريق ممارسات مثل التدريب وعملية التحريق والتنقل الوظيفي وعمليات الاستقطاب والاختيار والتعيين الملائمة، وننوه بضرورة المتابعة الدائمة للوظائف والعمل؛ فالتحليل والتوصيف الذي أشرنا إليه ليس عملية تجرى مرة واحدة في عمر المنظمة وإنما هي عملية دورية، لا بل مستمرة إذ يجب على القائمين على المنظمات إجراء هذه العملية مرة واحدة على الأقل في السنة، للوقوف عند مدى وجود الشخص المناسب في المكان المناسب في كل لحظة من عمر المنظمة.
باختصار إن آلية إنجاح مشروع الإصلاح الإداري تكمن في وجود المختصين بالإدارة في مفاصل إدارة المنظمات، وتفعيل دور إدارة الموارد البشرية، إضافة إلى إعادة تقييم التشريعات والقوانين الناظمة للعمل بما ينسجم مع متطلبات العمل الحالية، ناهيك عن الرقابة والمتابعة والمحاسبة بما يقود لضمان أداء الأعمال بالشكل المناسب.
وهذه النقطة جداً مهمة لأننا عندما نرى أن المقصر يعاقب فهذا سيقود الآخرين إلى الاعتبار وعدم الوقوع في الخطأ، ويجب لفت النظر إلى ضرورة إعادة النظر في نظم الأجور والتعويضات التي تمنح للعاملين، إذ يجب الأخذ بعين الاعتبار مستوى المعيشة المناسب، بالإضافة إلى ضرورة ربط نظم الحوافز والمكافآت بالأداء بشكل فعلي لتضمن الإدارة من خلاله العدالة التنظيمية .
تحدثت مطولاً عن مقومات إنجاح مشروع الإصلاح الإداري.. فما هي الصعوبات التي تواجهه برأيك؟
بصراحة يمكن اختصارها بمقاومة التغيير المرافق لعملية الإصلاح الإداري فقط، وهذه المقاومة أمر طبيعي فالجميع سواء مدراء أو عاملين يميلون إلى الاستقرار في العمل، والتغيير مرافق أساسي لعملية الإصلاح، حيث تتم إعادة الهيكلة والتنظيم لكافة العمليات الموجودة داخل المنظمات وهذا أمر قد لا يريح الجميع، لذا يجب على الإدارة التنبه المسبق بذلك والتحضير والإعداد والتهيئة للموضوع بشكل جيد، ويتم ذلك عن طريق برامج الإرشاد والتوجيه للعاملين بشكل دوري، بالإضافة إلى ضرورة إقحام كافة العاملين في عملية الإصلاح.
كما قلت هذا بشكل أساسي يعتبر من أهم الصعوبات ولكن هناك عقبات أخرى يمكن أن تنشأ لذا يجب التنبه بها ومن أهمها:
- أن ينظر إلى عملية الإصلاح أنها مجرد عملية تغيير للوضع الراهن فقط، فهذا أمر خطير إذ يجب أن نركز على أن عملية التغيير لمجرد التغيير فقط ستفقد مشروع الإصلاح هدفه فنحن نطمح إلى النجاح والاستمرارية.
- القوانين والتشريعات الناظمة للعمل التي يجب أن تتغير وتتلاءم مع الواقع بصورة دائمة، ولا يجب ان تبقى عند جمودها وثباتها وكأنها كلام منزل لا يتغير.
- أنظمة الأجور والتعويضات المعمول بها حالياً تعتبر عائقا كبيراً، إذ يجب إعادة النظر بها من أجل تحفيز العاملين، وضمان بقائهم في العمل وضمان أدائهم لمهامهم بالشكل الأمثل.
- موضوع المتابعة والرقابة على الجميع يجب أن تتم بشكل موضوعي ومعلن وإلا ستبقى آليات التقييم الحالية غير مجدية.
- من العقبات الأساسية أيضاً النظر دائماً على القطاع العام بأنه يجب أن يستوعب جميع الناس فهذه كارثة، القطاع العام يجب ألا يمتلك عمالة أكثر مما يحتاج فهذا يضر به وبالعاملين الموجودين فيه، فما يجب القيام به هو تفعيل دور وزارة العمل من خلال مكاتب تشغيل الشباب ومكافحة البطالة.
أقبلنا على مرحلة إعادة الاعمار.. هل لمشروع الإصلاح الإداري دور في هذه المرحلة؟ وأين يتجلى هذا الدور برأيك؟
لا شك بأن دور مشروع الإصلاح الإداري سيكون كبيراً في كل زمان ومكان، سواء في فترة إعادة الإعمار أم خلال الفترات اللاحقة، فالإصلاح يعني التغيير باتجاه الأفضل، ويجب العمل على أن يأخذ المشروع دوره بالشكل المناسب، ولكن يجب التركيز على نقطة هامة وهي عدم أخذ هذا المشروع فقط كشعار وإنما يجب تفعيله بالشكل الصحيح، وهذا التفعيل يتم عن طريق تسليم قيادة هذا المشروع للمختصين في إدارة الموارد البشرية بالذات، وإعطائهم الصلاحيات اللازمة فهم الأكثر قدرة على قيادة وضمان تنفيذ هذا المشروع.
Discussion about this post