بقلم: محمد النجم
في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي نجح الأستاذ الجامعي فريدريك إيمونز تيرمان بإقناع اثنين من طلاّبه وهما ويليام هيوليت وديفيد باكارد على البقاء في حوض سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا ما يعرف اليوم بـ”وادي السيليكون”، بعد أن تخرجا من جامعة ستانفورد، وفعلاً أنشأ ويليم وديفيد واحدة من أكبر الشركات الخاصة المنتجة لأجهزة الكمبيوتر.
اليوم يُعد وادي السليكون مستقراً لآلاف الشركات ولـ2.5 مليون نسمة، ويضم 28 مدينة و4 مقاطعات و4 جامعات، ومراكز بحثية مهمة كمركز “ستانفورد “و”ناسا” و”لورنس بيرلكي”، وشركات عالمية مشهورة منها: Intel؛ AMD؛ Adobe؛ Apple؛ Sun؛ IBM؛ Yahoo؛ Google؛ HP؛ Cisco؛ Oracle؛ nVidia؛ ATi، إضافة إلى شركة ميكروسوفت وغيرها الكثير.
هذا شيء يسير من معلومات كثيفة متوفرة على شبكة “الإنترنت” عن وادي السيليكون كمشروع علمي استراتيجي حقق نتائج باهرة في الولايات المتحدة على الصعيدين العلمي والاقتصادي، وعزز لدى كثير من رجال الأعمال أهمية التوجه إلى اقتصاد المعرفة واستثمار تكنولوجيا المعلومات، لتحقيق تنمية مستدامة وأرباح هائلة وقيم مضافة مهمة لاقتصاديات الدول، بل وشجع كثيراً منها على محاولة نقل هذه التجربة، والاستثمار في هذا النمط من الوديان، وإن بمستويات متفاوتة.
الآن.. نتساءل ونحن نقف على أعتاب مرحلة اقتصادية جديدة اتفق الجميع على تسميتها “إعادة الإعمار”، هل استطعنا تحديد البوصلة الصحيحة لمسارات وخيارات النهوض باقتصادنا الوطني في المستقبل؟
هل سنستعين بأفكارنا الاقتصادية التقليدية وتجاربنا المعتادة السابقة؟ أم سنحاول أن نجد حلولاً جديدة وسريعة الجدوى للأزمات الكبرى التي تعصف بالاقتصاد السوري منذ ما يزيد عن سبع سنوات ونصف؟
هل سنمتلك الإرادة والعزيمة الكافية لتحقيق شعار “التعددية الاقتصادية” بطريقة عادلة تبتعد عن حصر كل الطموحات والفرص بعدد محدد من الشركات ورجال الأعمال لتفسح المجال أمام كل سوري وطني وشريف يحب وطنه ويسعى للاستثمار فيه ولأجله؟
هل سننجح في تحقيق نمط جديد وفاعل من التشاركية بين القطاعين العام والخاص، لفتح وتشجيع قنوات وفرص استثمارية جديدة تقوم على تكنولوجيا المعلومات والتقنيات الحديثة، وتستثمر الثروات الطبيعية الهائلة التي تتميز بها سورية بدءاً من النفط والغاز مروراً بالثروات الزراعية والنباتية والمعدنية وصولاً إلى الصخور والرمال؟
ربما لم تتشكل القناعة الكافية بعد في الذهنية العامة بأهمية وبفرص نجاح وادي السيليكون السوري، لكن دعونا نقرأ تجارب الآخرين وأسباب ومتطلبات نجاحهم في هذا الحقل التقني، وسنصل إلى حقيقة واحدة وهي أن الأمر ليس مستحيلاً بالنسبة لنا، لأن موجبات نجاحه متوفرة في سورية، من مواد خام وخبرات وكفاءات علمية وطنية، وإمكانات تصنيعية لأنصاف النواقل والسيليللوز وغيرها، وذلك قبل اندلاع الحرب على سورية وتوقفت بسببها، لكن لازالت قابلة للنهوض من جديد، ورغم ذلك، فالأمل كبير في أن تتوسع دائرة هذه القناعة، وخصوصاً لدى رجال الأعمال والمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، بعد أن يتيقنوا بحجم الأرباح التي سيجنونها من هذا الخيار الاقتصادي المهم جداً لسورية.
يبقى أن نشير إلى أنه من المهم بمكان الاستمرار بدعم وتطوير قطاعات صناعية تقليدية مهمة كالنسيج والدواء والزراعة، لكننا يجب أن نتنبه لخطورة وعدم جدوى وضع كل البيض في سلة واحدة، لنجرب أن نفكر من خارج الصندوق، ستكون النتائج عالية المستوى.. ولنتذكر دوماً أن “الوطن يتسع للجميع”.. وبهذا سنزدهر.
Discussion about this post