العالم الاقتصادي – عمار الصبح
يشكل القطاع الصناعي العمود الفقري للاقتصاد السوري برمته، بل إن البعض لا يبالغ في اعتباره قاطرة هذا الاقتصاد والمحرك الرئيسي لباقي القطاعات الأخرى، إلا أن ما لحق بالصناعة السورية من أضرار وتخريب وخسائر كبيرة خلال سني الأزمة يجعل من مهمة النهوض بهذا القطاع الحيوي مهمة تثقل ولا شك كاهل من ينبري لتحمل مسؤولياتها.
مؤكد أن المهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة فما أصاب الصناعة السورية من أضرار وخسائر تقدر بالمليارات سنأتي على ذكرها لاحقاً- أصاب صناعات دول كثيرة خاضت حروباً مشابهة وربما أكبر واستطاعت أن تنهض من جديد وأن تلحق بركب التطور الصناعي وتصبح اليوم في مصاف الأقوياء، وعلى سبيل المثال وليس الحصر لم يكن أحد يتوقع أن تستطيع ألمانيا الخروج من الدمار الذي حل بها بعد الحرب العالمية الثانية، ولكنها استطاعت أن تفعل ما اعتبره الكثيرون مستحيلاً بفضل القطاع الصناعي الذي كان الحامل الأساسي لكل القطاعات الاقتصادية الأخرى والتي غدت ألمانيا بسببه رابع أقوى اقتصاد في العالم.
خسائر وبالأرقام
تكبد القطاع العام الصناعي خلال هذه الأزمة أضراراً كبيرة تجاوزت قيمتها /900/ مليار ليرة سورية ما بين أضرار مباشرة وغير مباشرة، فقد كان عدد المنشآت الاقتصادية العاملة التابعة لوزارة الصناعة قبل الأزمة /96/ منشأة. خرجت /46/ منشأة صناعية من العملية الإنتاجية خلال الأزمة بسبب تدميرها ونهبها وسلبها من قبل العصابات الإرهابية.. وحالياً تعمل /18/ بشكل جزئي.. والشركات العاملة بشكل كامل /32/ منشأة.
ونشير هنا إلى دراسة أنجزها مركز دمشق للأبحاث والدراسات “مداد” وكانت بعنوان (تأثيرات الأزمة في الاقتصاد السوري) بينت أن إجمالي الخسائر التي تعرض لها القطاع الصناعي خلال الأزمة بلغ /2000/ مليار ليرة سورية، وهذا الرقم يعادل 6 أضعاف إنتاجية القطاع في العام 2010 و 21 ضعفاً للناتج المقدر للقطاع في العام 2015، كما سجل الناتج المحلي لقطاع الصناعة والتعدين تراجعاً خلال الفترة (2010 – 2012) من /355/ مليار ليرة سورية إلى/186.1/ مليار بانكماش قدره 53 % كما واصل تراجعه في العام 2013 بنسبة 43.3 % ووصلت إنتاجية القطاع في العام 2015 إلى حوالي /94/ مليار ليرة سورية بتراجع قدره 4.3 % فقط، وذلك بسبب تحسن الظروف الأمنية كما حافظ القطاع الصناعي على أهميته النسبية والتي تراوحت بين 10 – 11 % من الناتج المحلي الإجمالي في العامين 2014 و 2015، وهو أدنى مستوى له خلال الأزمة، وذلك بعد أن كانت 14.7 % في العام 2012 و20 % في العام 2011 وانعكس هذا التراجع على عدد العاملين في القطاع، إذ تم تسريح حوالي/3.5/ مليون عامل خلال الأزمة.
أسباب ومبررات
وبين تقرير مداد أن التراجع الكبير في إنتاجية القطاع خلال السنوات الثلاث الأولى من الأزمة 2011 – 2013 يعود لمجموعة من الأسباب منها توقف معظم المنشآت الصناعية عن الإنتاج، بسبب أعمال النهب والتخريب وانقطاع الطرقات الذي أدى إلى عدم إمكانية وصول العمال للمصانع وتوقف العمل بالمشاريع المباشر بها، بسبب مغادرة الخبراء الأجانب مواقع العمل كحديد حماة وزجاج الفلوت ومعمل الإطارات، وفقدان الكثير من المواد الأولية ونصف المصنعة التي كانت تنتج محلياً، بسبب وجود المصانع المنتجة لهذه المواد في مناطق ساخنة إضافة إلى النقص الكبير في مصادر الطاقة (الغاز، الفيول، الكهرباء، مازوت) وارتفاع أسعارها وانقطاعها بأوقات غير منتظمة وزيادة التكاليف المادية المترتبة على الصناعيين نتيجة اضطرارهم لنقل منشآتهم إلى مناطق جديدة آمنة.
ولا يمكن أيضاً إغفال الصعوبات في التمويل والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي، وكذلك بعض الدول العربية على سورية، وقيام بعض الشركات العالمية بقطع علاقاتها مع الشركات السورية، الأمر الذي انعكس سلباً على أسواق التصدير وصعوبات فتح الاعتمادات المستندية واستحالة القيام بعمليات التأمين وإعادة التأمين.
يضاف إلى هذه الأسباب –حسب مداد- نهب المدن الصناعية، خصوصاً في مدينة حلب حيث تم سرقة ونقل عدد كبير من المعامل إلى تركيا وقد وصل عدد المنشآت الصناعية المتضررة إلى /1500/ منشأة كبيرة تقريباً وأغلق 70 % من الورشات الصغيرة البالغ عددها /40/ ألف ورشة قبل الأزمة، وذلك بسبب ازدياد منسوب العنف من قبل المجموعات المسلحة في البلاد.
ترتيب الأولويات
إلى هنا ينتهي “مداد” من تحديده لأسباب تراجع أداء القطاع الصناعي خلال الأزمة ومع اعتراف الخبراء والمختصين بحقيقة ما أوردته الدراسة كأمر واقع لا يمكن لأحد إنكاره، لكن أن نظل في تسويق الأسباب والتبريرات التي لم يعد أكثرها موجوداً فهذا هو الأمر غير المبرر، فالمطلوب اليوم كيف يمكن الخروج بالصناعة السورية من عنق الزجاجة والوصول بها إلى بر الأمان كي تكون شريكاً وحاملاً لإعادة الإعمار.
وزارة الصناعة وباعتبارها الموكلة بإدارة دفة القطاع الصناعي والنهوض به وضعت خلال الفترة الماضية العديد من الدراسات والمقترحات للنهوض بالصناعة السورية، وحسب ما كشف عنه وزير الصناعة محمد مازن يوسف في تصريحات صحفية مؤخراً اعتماد الوزارة عدد من المحددات للنهوض الشامل من خلال الانتقال من الحلول الإسعافية إلى التنموية، ومن الجزئيات إلى الكليات، أي من معالجة حالة بحالة، ومن اعتماد حلول آنية إلى بلورة وتنفيذ رؤية تنموية شاملة للقطاع بشقيه العام والخاص، الإنتاجي والخدمي وترتيب الأولويات خصوصاً مع بروز حاجات وأولويات جديدة تتفق مع سياق المرحلة الحالية وتؤسس للمرحلة القادمة بحيث يتم تنفيذها بالتوازي، وبحسب المتطلبات والقيود وحتمية تجاوزها، واعتماد أسس التنمية المحلية والتشاركية في صياغة وتنفيذ السياسات على المستوى المحلي وتحقيق التموضع الاستراتيجي للقطاع ككل بترابطاته كفروع للنشاط الصناعي وبترابطاته مع القطاعات الأخرى.
من هنا بدأنا!!
وزير الصناعة لفت في تصريحاته إلى القيام وبخبرات وطنية وبمساعدة الدول الصديقة، بإعادة تأهيل وتشغيل عدد من المنشآت التي تضررت نتيجة الأزمة، ومن الشركات التي أعيد تأهيلها وتشغيلها.. معمل الصهر بشركة حديد حماة ومعمل السماد الفوسفاتي في شركة الأسمدة، معمل الدرفلة بشركة حديد حماة، شركة تاميكو للصناعات الدوائية ومعمل الأدوات الصحية بحماة وشركة الإنشاءات المعدنية.
إضافة إلى معمل سكر حمص، شركة حلب لصناعة الكابلات، الوحدة الاقتصادية بحلب، شركة زيوت حلب ومعمل سماد أمونيا اليوريا في شركة الأسمدة وشركة سار للمنظفات مبيناً أنه تم إعداد دراسة لأوضاع الشركات التي تم تحريرها مؤخراً في المحافظات كافة، وتقييم الأضرار التي لحقت بها ووضعت خطة متكاملة لإعادة تأهيلها ووضعها في العملية الإنتاجية وفقا للإمكاناات المتاحة والأولويات.
وعلى التوازي مع ذلك، يشير وزير الصناعة إلى القيام بإعداد دراسات جدوى اقتصادية لإقامة العديد من المشاريع الاستثمارية وتطوير بعض من الشركات القائمة وتم اعتمادها من قبل هيئة التخطيط والتعاون الدولي وإدراجها في خططنا الاستثمارية كمشاريع الحمضيات، والألبان والأجبان، والكونسروة، والسيرومات، والأدوية البشرية، وصهر البازلت، والسخان الشمسي، والبطاريات المغلقة، وإنتاج الخميرة، وإنتاج أقمشة الجينز، ويمكن إقامة هذه المشاريع، إما بملكية عامة أو بالشراكة مع القطاع الخاص أو الشركات الاستراتيجية ذات الخبرة من الدول الصديقة.
ويجري حسب كلام الوزير اتخاذ العديد من الإجراءات لتسهيل ودعم القطاع الخاص الصناعي، عن طريق توفير دعم فعلي للقطاع وذلك من خلال إصدار حزمة القوانين الخاصة بالمواصفات والقياس التي تقع أساساً في صلب عمل الوزارة، إضافةً إلى إعادة تأهيل البنى التحتية للمدن والمناطق الصناعية، وتأمين حوامل الطاقة، الأمر الذي سرّع في إعادة إقلاع المنشآت المتضررة بشكل تدريجي وملحوظ.. ومن هذه التشريعات إلغاء مؤونة الاستيراد المقدرة بـ 25 % التي كانت مفروضة على جميع البضائع والسلع المستوردة.
وإلغاء العمل بتعهد إعادة قطع التصدير والقرارات الناظمة له، إضافة إلى صدور الضوابط والتعليمات الناظمة لتسوية أوضاع المنشآت الصناعية القائمة والمستثمرة لمنحها الترخيص الإداري، وكذلك البضائع المنتجة محلياً من رسم الإنفاق الاستهلاكي في حال تصديرها للخارج وذلك بغية تعزيز تنافسية ودعم صادرات المنتجات السورية، وإعفاء الآلات وخطوط الإنتاج المستوردة لصالح المنشآت الصناعية المرخصة من الرسوم الجمركية، وغيرها من الرسوم المترتبة على الاستيراد، وتخفيض الرسوم الجمركية المحددة في جدول التعرفة الجمركية النافذ بنسبة 50 % على المواد الأولية ومدخلات الإنتاج اللازمة للصناعات المحلية.
خطة عمل
عود على بدء، فإعادة النهوض بالقطاع الصناعي وتفعيله مهمة ليست بالسهلة، سيما وأن أزمة السنوات الماضية زادت طين الصناعة السورية بلة، صحيح أن الأزمة كانت سبباً رئيسياً في تدهور هذا القطاع إلا أن معاناته كانت موجودة قبل الأزمة وجاءت الأخيرة لتفاقم من جراحه، وعليه بات المطلوب من القائمين على هذا القطاع تجاوز صعوبات المرحلة الماضية والبدء بصفحة جديدة عنوانها الرئيس العمل.
ونشير ختاماً إلى أن وزارة الصناعة وضعت خطة عمل لتنشيط القطاع الصناعي والإجراءات التنفيذية الواجب اتخاذها حيال الشركات التابعة لها، فبالنسبة للشركات الرابحة ترى الوزارة في خطتها ضرورة العمل على تعظيم أرباح هذه الشركات من خلال تأمين المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج اللازمة للعمل بالطاقة القصوى و تأمين حوامل الطاقة اللازمة عن طريق التزام وزارة الكهرباء بتأمين الطاقة الكهربائية على مدار الساعة أو لوردية عمل كاملة وتأمين القطع الأجنبي اللازم لتنفيذ خططها الإنتاجية والاستثمارية وحماية منتجها بترشيد استيراده، وإلزام الجهات العامة بتأمين متطلباتها منها وفرض رقابة صارمة على جودة المنتجات المحلية الصنع والمستوردة.
أما بعد!!
أما بالنسبة للشركات الحديثة أو الخاسرة فهناك إمكانية لتشغيلها ونقلها إلى الربح، حيث تقوم خطة الوزارة على رفع نسبة تنفيذ الخطة الإنتاجية ودراسة تكاليف المنتجات بشكل دقيق وإعادة توزيع العمالة فيها، إضافة إلى دراسة وتحليل وتجاوز المعوقات والأسباب الذاتية التي تعيق عملها.
ووصولاً إلى الشركات الخاسرة التي بحاجة إلى تطوير خطوط إنتاجها فترى الوزارة عرضها على مستثمرين بهدف المشاركة لتطوير خطوط إنتاجها في المجال الصناعي ذاته أو إضافة خطوط إنتاج جديدة تتوافق مع الصناعة القائمة فيها، وذلك بموجب اتفاقيات خاصة بحسب كل حالة ودراسة وضع العمالة في هذه الشركات بحسب العروض المشاركة المقدمة بالاستفادة من هذه العمالة أو جزء منها ونقل الباقي إلى الجهات الحكومية.
أما الشركات المتوقفة التي لا يوجد جدوى من تشغيلها بسبب ارتفاع كلف الإنتاج وقدم الآلات وارتفاع كلفة الصيانة والإصلاح وعدم القدرة على منافسة البدائل في السوق المحلية وتدني السوية الفنية, وارتفاع تكاليف تطويرها ترى الوزارة ضرورة اتخاذ قرار بإغلاقها واستغلال موقعها وبنيتها التحتية لإقامة مشاريع مشتركة من خلال تطوير التكنولوجيا المستخدمة فيها أو إقامة مشاريع جديدة بغض النظر عن نشاطها الأساسي مع المستثمرين وتوزيع عمالتها على الجهات العامة في الدولة في حال عدم الاستفادة منها في المشاريع المشتركة التي ستقام لاحقاً.
أما الشركات الخاسرة بسبب الظروف الحالية فيمكن الاستفادة منها وتشغيلها في حال تحسن الظروف المحيطة بها.
للخاص نصيب
ولا تغفل خطة الوزارة القطاع الخاص الصناعي من خطة عملها التي ترى ضرورة تقديم الدعم اللازم من خلال شركات التأمين الخاصة والعامة بهدف التأمين على المنشآت الصناعية الجديدة لتغطية جميع المخاطر وخصوصاً المخاطر الناجمة عن الظروف الحالية وتكليف مديريات الصناعة في المحافظات بالتواصل مع جميع الصناعيين الراغبين بإعادة تشغيل منشآتهم لبيان متطلباتهم لذلك واستمرار العملية الإنتاجية فيها وتشكيل فريق عمل في كل محافظة للكشف على جميع المنشآت الصناعية والحرفية المتضررة وتنظيم الأضرار ضمن جداول وإحالتها إلى لجنة إعادة الأعمار لدى وزارة الإدارة المحلية والبيئة للنظر في إمكانية التعويض جزئياً أو كلياً حسب الإمكانيات المتاحة مع إعطاء الأولوية للصناعيين الذين باشروا بإعادة التأهيل وإعفاء الصادرات من رسوم الإنفاق الاستهلاكي وإعادة الرسوم المستوفاة عن المواد الأولية الداخلة في تصنيع البضائع المحلية المعدة للتصدير وإعفاء جميع السلع والمواد الأولية ومستلزمات الإنتاج والآلات والتجهيزات والخطوط الإنتاجية المستخدمة في إنتاج السلع الخاصة بالطاقات المتجددة من الضرائب والرسوم المترتبة عليها كافة، وتكليف مصرف سورية المركزي بإعداد الدراسة المتعلقة باستئناف منح القروض التشغيلية قصيرة الأجل من قبل المصارف العاملة لتمويل رأس المال العامل في المشاريع الإنتاجية.
كما توضح الخطة إعفاء الصناعيين من الرسوم الجمركية عند استيرادهم الآلات والتجهيزات بدلاً من آلاتهم وتجهيزاتهم المرخصة التي تم تخريبها ووضع ضوابط على المستوردات التي لها مثيل بالإنتاج المحلي وإعطاء الصناعي (المدين للمصارف) فرصة لإعادة تأهيل وتشغيل منشأته وذلك من خلال تجميد جميع الإجراءات التي تعيق ذلك إضافة إلى إعادة جدولة سداد الديون وبدون فوائد. والإسراع بإعادة تأهيل البنى التحتية المتضررة للمدن والمناطق الصناعية وللمنشآت الصناعية التي تقع خارجها دون تحميل الصناعيين نفقات ذلك كونهم سددوا هذه النفقات عند الإنشاء والإعفاء من رسوم التراخيص بالنسبة للشركات المعاد تأهيلها أو المراد إنشائها، فضلاً عن تقسيط سداد قيمة الأرض المخصصة لإشادة المنشأة الصناعية على خمسة عشر عاماً تبدأ من تاريخ الإقلاع بالعمل وتسهيل إصدار التشريعات أو القرارات اللازمة لما ذكر أعلاه بعد دراسة كل حالة على حدة، وتأمين الحماية الآمنة للمدن الصناعية القائمة من قبل وزارة الداخلية وتشجيع الاستثمارات الصناعية الجديدة وخصوصاً المشاريع الصغيرة والمتوسطة باعتبارها تشكل رافعة اقتصادية هامة في حال توافر الحواضن الصناعية المقدمة من (الدولة- القطاع الخاص– المنظمات الدولية لاحقاً) وإيلاء الأهمية بالصناعات الغذائية والهندسية والصناعات التي تسهم بترشيد المستوردات.
Discussion about this post