العالم الاقتصادي- رصد
تخوض مصر معركة حاسمة لمحاربة البيروقراطية، وهي تستهدف تدشين “الرخصة الذهبية” للمشاريع الكبيرة التي لا يضطر معها المستثمرون للتعامل مباشرة مع الدوائر الحكومية، خاصة هيئة التنمية الصناعية والجهات المتهمة بتعطيل مسيرة العمل.
كثفت الحكومة المصرية جهودها لتعزيز دور القطاع الخاص وتعميق دور الصناعة المحلية بعد أزمة الدولار التي كشفت عن ترهل هذا القطاع.
وأبانت الأزمة الراهنة أن الصناعة تقوم على تجميع الخامات من الخارج ثم تركيبها محليا، ما يعني أنها لا تمثل قيمة مضافة، بل تتحول إلى عبء لا يقل خطورة عن منظومة الاستيراد.
وتهدد البيروقراطية العتيقة مناخ الاستثمار رغم كل الخطوات التي سلكتها الحكومة للتخفيف منها منذ مبادرات تأسيس نظام الشباك الواحد لإنهاء الإجراءات التي تتعلق بالأنشطة الاستثمارية وصولا إلى التحول الرقمي ثم الاستعانة بما يسمى “المتسوق السري”.
لكن لا تزال جذور التعقيدات الإدارية تقف حائلا أمام تسريع وتيرة الصناعة وجذب المستثمرين.
وقرر الرئيس عبد الفتاح السيسي مجابهة البيروقراطية التي يعتبرها مستثمرون سببا رئيسيا في إحجامهم عن ضخ الأموال، لاسيما ما يتعلق بأزمة التراخيص اللازمة لتأسيس مشروع، بداية من شراء الأراضي وحتى الحصول على رخصة التشغيل.
ووجه السيسي الحكومة أخيرا بمنح “الرخصة الذهبية” لكل من يتقدم للاستثمار بالبلاد خلال ثلاثة أشهر لتسريع وتيرة المشاريع، في استجابة لحظية لطلب قدمه رئيس اتحاد الصناعات محمد السويدي.
وتهدف الرخصة الذهبية لتبسيط الإجراءات على مستثمري الصناعة والبنية التحتية لإقامة مشاريع ذات أولوية للدولة.
ويتم ذلك بالحصول على موافقة واحدة تغطي كل شيء، بدءا من تخصيص الأراضي وحتى تشغيل وإدارة المشروع وفقا للدليل المحدث الصادر عن الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة.
ولا يعفي ذلك المستثمر من أي متطلبات، لكنه يختصر كل شيء في موافقة واحدة، إذ يستلزم من المشاريع الاستثمارية المؤهلة للحصول على الرخصة الذهبية استيفاء جميع المتطلبات التنظيمية من الدوائر الحكومية المختلفة.
لكن الاختلاف الجوهري يكمن في أن المستثمر يمر بعملية أبسط كثيرا، حيث ينجم عنها تقليل الوقت والجهد، وإلغاء الحاجة للحصول على موافقات منفصلة من جهات مختلفة.
كما تشمل هذه الرخصة الإجراءات المتعلقة بتراخيص البناء ويتم اختصارها، ومن يحصل عليها يمكنه بدء مشروعه فورا، ولذلك يعتبرها الخبراء أداة لضرب البيروقراطية في مقتل.
وكانت تُمنح تلك الرخصة للشركات التي تعمل على إقامة مشاريع قومية وإستراتيجية وتتوافق بشكل عام مع خطة الدولة للتنمية.
وتقتصر المزايا على مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجالات المرافق العامة والبنية التحتية والطاقة المتجددة والنقل والموانئ.
ويستفيد من الرخصة كل من يرغب في تأسيس مشاريع ذات حجم كبير بمختلف القطاعات وتفسح الدولة المجال أمام الصناعات المتعددة للقطاع الخاص، بشقيه المحلي والأجنبي.
وأوضح رئيس لجنة الصناعة بجمعية رجال الأعمال المصريين مجدالدين المنزلاوي أن الرخصة الذهبية تواجه الروتين الذي عانى منه المستثمرون طويلا، وتعطلت العديد من المشاريع ولذا يمكن وصفها بـ”المُنقذ” لأنها تختصر المسافات لأصحاب الأعمال.
وقال لـ”العرب” إن “الرخصة تتاح حاليا لكل المشاريع الكبيرة، وهو ما تم التوصل إليه بالحديث مع المسؤولين عبر مشاركته في مؤتمر اتحاد الصناعات الأخير”، مؤكدا أن ضوابط وشروط التقدم إليها يتم تحديدها عن طريق الهيئة العامة للاستثمار.
وحدد السيسي مدة الرخصة الذهبية لنحو ثلاثة أشهر، وهذا يعني أنه سيتم تقييمها خلال تلك المدة وحال نجاحها وأدت إلى إقبال المستثمرين وضخ أموال جديدة كثيفة يمكن أن يتم مدها لفترة أخرى.
كما عرض مشاركة الدولة في المشاريع الكبيرة مع القطاع الخاص، وهو تصريح قد يثير شكوك البعض، لكن السيسي حاول أن يطرح حلا لتشجيع المستثمرين، وهو اختيار أمام رجال الأعمال وليس إجبارا. ومن شأن ذلك تعزيز سهولة التمويل دون التقيد بدراسات الجدوى.
وتعد شراكة الحكومة مع القطاع الخاص بنسبة مثل 30 في المئة لا تنطوي على مزاحمة، وتمثل عامل ثقة أو ضمان تستعين به الشركات غير الحكومية للحصول على القروض من المؤسسات المحلية والأجنبية، ما يدعم سرعة التشغيل.
وأوضح نائب رئيس الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين أسامة حفيلة أن الرخصة الذهبية وسيلة تشجيع للمستثمرين وستعجل بإنهاء تراخيص المشروعات الكبيرة في وقت وجيز، بعيدا عن البيروقراطية التي أحبطت العديد من المستثمرين.
ولم تشمل الحوافز تشجيع الرخصة الذهبية فقط، بل تضمنت توجيه السيسي لمحافظ البنك المركزي حسن عبدالله بتسهيل إجراءات تمويل المشاريع الصناعية التي تتطلبها الدولة والقطاع الخاص ويتم تحديدها بالاتفاق مع اتحاد الصناعات والغرف الصناعية.
وأشار حفيلة لـ”العرب” إلى أن السلطات أدركت معوقات الصناعة وفي مقدمتها التعقيدات الإدارية والتمويلات المطلوبة، لذا تُوجه بالحلول السريعة لبث الثقة في نفوس المستثمرين، كما أن تسهيل الحصول على التراخيص والقروض يعزز التوسع في الاستثمارات.
وجاءت عملية تسهيل إجراءات الاستثمار في وقت مهم للغاية، وذلك قبل مؤتمر المناخ المزمع انطلاقه في السادس من نوفمبر الجاري، إذ يترتب على تذليل العقبات والتغلب على المعوقات سهولة الترويج للمشاريع المستهدف طرحها أثناء هذا الحدث.
وتنوي القاهرة طرح أكثر من 20 مشروعا ضمن ما يسمى بـ”الاقتصاد الأخضر” في خمسة قطاعات بالمؤتمر وتتضمن قطاعات الكهرباء والطاقة المتجددة، والنقل، والزراعة، والمياه، والنفط والغاز، بتكلفة تزيد على 120 مليار دولار.
وأثنى عمرو فتوح عضو جمعية مستثمري بدر في شرق القاهرة، على خطوة السلطات بتفعيل الرخصة الذهبية، حيث تفتح الباب أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية أيضا.
وأوضح لـ”العرب” أن من أهم عوامل اختيار المشاريع للحصول على الرخصة الذهبية، هي أن يسهم في زيادة الصادرات بتصدير ما لا يقل عن 50 في المئة من منتجاتها سنويا خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات من تاريخ بدء مزاولة النشاط.
وتوقع فتوح أن يكون من بين شروط الحصول على الرخصة استهداف المشروع خفض الواردات وتوطين الصناعة المحلية، وكذلك ألا تقل نسبة المكون المحلي بمستلزمات الإنتاج عن النصف، وإلا لن تكون ثمة جدوى من تدشين المشاريع الجديدة.
وأكد أن اعتماد مشاريع الرخصة الذهبية على المستلزمات المحلية سيتعزز تفعيل المبادرة الرئاسية (ابدأ)، والتي تقوم الشركات بتصنيع مستلزمات الإنتاج محليا خلال الفترة الراهنة.
– العرب –
Discussion about this post