العالم الاقتصادي- رصد
الشباب الدائم، هاجس يغزو المجتمع بكثافة. ففي حين تمثل التجاعيد والخطوط الرفيعة إحدى علامات التقدم بالسن، يسارع الناس لاستخدام كل التقنيات التي يوفرها العلم والبحوث من أدوية وعمليات وغيرها، للتخلص من علامات الشيخوخة التي لا مفر منها.
ففي حين يلجأ البعض للعلاجات الطبيعية ورياضة الوجه واليوغا والعلاجات الصينية… يفضل القسم الأكبر استخدام الحقن والمواد الكيميائية لسرعة نتائجها. ويمثل البوتوكس أكثر المواد رواجاً واستخداماً، إذ يقبل عليه الملايين نساءً وحتى رجالًا.
فما هو “البوتوكس”؟ تعرف العلامة التجارية لهذا العلاج التجميلي بـ “البوتوكس”. ويشكل العنصر النشط في تركيبه ما يعرف بسمّ البوتولينيوم، والذي تنتجه بكتيريا (المثطية الوشيقية) والتي تسبب التسمم الغذائي، وهو يفوق بسميّته سمّ الكوبرا بسبعة ملايين مرة، بحيث يكفي نصف ليتر من هذا السم لقتل جميع من على هذا الكوكب.
كيف يعمل “البوتوكس”؟ يقوم “البوتوكس” بعد حقنه، بحجب إشارات كيميائية معينة من الأعصاب، ومعظمها إشارات تتسبب بتقلص العضلات. هذا ما يفسر الاستخدام الأكثر شيوعا لهذه الحقن، وهو الإرخاء المؤقت للعضلات ومنعها من التقلص.
مجالات استخدامه
إن أكثر مجالات استخدام “البوتوكس” هو تجميل الوجه، عن طريق منع تقلص عضلات الوجه في منطقة الجبين وحول العينين، فيخفي التجاعيد والخطوط الرفيعة. علما أن له استخدامات طبية لمشاكل صحيّة أخرى، وهذا بعضها: خلل التوتر العنقي لمعالجة انقباضات الرقبة المؤلمة حتى لا تتحول إلى التواء، معالجة الأعين النعسانه حيث أن السبب الأكثر شيوعًا للعين الكسولة هو اختلال التوازن في العضلات المسؤولة عن وضع العين، تقلصات العضلات إذ يمكن إرخاء هذه العضلات المنقبضة بحقن “البوتوكس”، فرط التعرق، الصداع التصفي، ارتعاش العين، سلس البول، تقلصات المريء وغيرها…
المخاطر
“للبوتوكس” مخاطر عديدة لأسباب متعددة، ففي حين تمثل كمية ونوعية الحقن أسبابا شائعة، يشكل انتشار المراكز غير المتخصصة والأشخاص غير المتخصصين أهم الأسباب التي تؤدي إلى نتائج غير محمودة وخطيرة.
وتتلخص أبرز المخاطر في:
– الإصابة بالشلل، وقد يحصل ذلك نتيجة عدم التأكد من مكونات “البوتوكس” وكثافة العنصر النشط فيه بحيث يفرز مادة كيميائية بين العضلة والأعصاب.
– ترهّل الجلد بسبب الشد المتكرّر الذي تتعرّض له البشرة، مما يقتل العضلة بشكل بطيء.
– احتمالات عالية للحساسية ما يؤدي إلى تهيج الجلد واحمراره لحساسية المادة او لغياب التعقيم.
– إرتخاء الحاجب بسبب اقتراب الحقن من غضلته، مشاكل في النظر والرؤية إذا كان الحقن قريبا من العين، وظهور كدمات على الوجه قد يطول بقاءها في حال لم يكن الحقن قد أجري بالشكل الطبي الصحيح.
بين التجميل والمبالغة
يدوم المفعول التجميلي “للبوتوكس” بين الأربعة والستة أشهر. يقوم بعض المرضى بتوصية الطبيب لضرورة إبقاء الوجه طبيعيا، بحيث يتمكنون من تحريك الحاجب، أو حتى تحريك عضلات الوجه الأخرى، فيأتي الحقن بكميات قليلة تضيف جمالية معينة، ونضارة وتبقي الملامح طبيعية. غير أن الكثيرين يتجهون إلى المبالغة، فتغيب التجاعيد والخطوط، وتغيب معها الحياة عن ملامح الوجه الذي يصبح جامدا، فتصبح الابتسامات جامدة لا يتحرك معها سوى الفم، وقد تجحظ العينان لشدة شدّ الجبين…
تكمن المفارقة، أنه وبعد مرور الوقت، تتعب العضلات وتترهل، فيسارع الأشخاص إلى استخدام تقنيات حقن أخرى، من الفيلر وتقنية الخيطان وأبر النضارة… فيغرق المستخدمون في عالم المنتجات المتنافسة. وبهدف الحصول على نتائج جمالية مستدامة يميلون لا شعوريا إلى المبالغة والتنويع، ما يؤدي إلى نتائج كارثية في كثير من الأحيان، فتكون النتيجة تشوها لا تجميلا.
إن الاعتدال والموضوعية من السمات التي تميز كل جوانب الحياة ومجالاتها. والمبالغة في كلّ شيء تعطي نتائج عكسية. يكمن الشباب الدائم في نفوس شابّة، مقبلة على الحياة بروح لا تشيخ، ويبقى جمال الوجه انعكاسا لتلك الروح. لا ضير في مسحة جمالية تنعش الوجه وتترك ارتياحا تفسيا، ولكنّ الأجمل هو الحفاظ على الفرادة. فلكل إنسان جماليته الخاصة التي تظهره بشكل فريد يعكس شخصيته وملامحه. وإن الاتجاه نحو تكرار الملامح وتوحيدها، أو حتى تجميدها يفقد جمالية الفرادة وهيبة التعابير.
– الديار (اللبنانية)-
Discussion about this post