بقلم: معتصم عيسى
تابعت قبل أيام حواراً مع (خبير) اقتصادي على شاشة إحدى القنوات التلفزيونية، وعلى مدار نصف ساعة أغرقنا الخبير بسيلٍ من الأرقام والبيانات والاحصائيات مستعيناً برسومٍ بيانية وخرائط وغيرها من الوسائل التوضيحية الداعمة.
بعد انتهاء الحوار الذي تسبب لي بالدّوار خرجت بنتيجة حاسمة وجازمة وحيدة، مفادها أنني لم أفهم شيئاً مما سمعت، كما أنني لم أقتنع بكل تلك المعلومات والحلول (النظرية) المكررة، والتي نقلها لنا (الخبير) كما قرأها في الكتب الجامعية.
وبعيداً عن ذلك الحوار الميتافيزيقي، فإن حقيقة الأمر التي نعرفها جميعاً بكل بساطة هي أن الواقع المعيشي يتداخل مع الجانب الاجتماعي، وعليه فلم يعد مقبولاً التهرب من وضع تصورات قابلة للتنفيذ، وبشكل لا تسويف فيه ولا مماطلة.
ولعلّنا جميعاً ندرك أن الراتب بات يزحف على ركبتيه في محاولة منه للحاق بقطار الأسعار، وذلك ضمن سباقٍ غير متكافئ يغيب فيه التوازن بين الدخل والمتطلبات المعيشية ضمن الحدود الدنيا وما تحت الدنيا.
ندرك جميعاً الأسباب المباشرة للمأزق الاقتصادي ومن بينها العقوبات الجائرة والحصار وظروف الحرب، ولكن بعد كل هذه السنوات مازال الكثيرون يريدون إقناعنا بإمكانية وضع سقف للمنزل قبل تأسيس الأرضية والأعمدة ، وإلا فكيف نفسّر ما نعانيه من تعثّر في الخطط والتنفيذ والنتائج!!
كيف نفهم الاتكاء المستمر على المواطن وقدرته على التحمّل ونحن نعده بطبق (الكنافة)، كما فعل أحد المثقفين مع دريد لحام في إحدى المسرحيات في سبيل إقناعه بسماع محاضرة تتجاوز اهتماماته واحتياجاته، كإنسان فقير لايجد قوت يومه، وبعد أن تمّ جلده من قبل المثقف بتلك المحاضرة لم يحصل في النهاية على ما وعده به، وبدلاً من ذلك لم يعد يرغب بالاستماع لأي حديث.
وفي ظل تلك الأوضاع تظهر أهمية ضبط الأسعار ووضع حدٍ للمخالفات وتلاعب البعض بجيب المواطن الذي لم يحمل غير فواتير الاستدانة وهموم المدارس والطعام والمواصلات وغيرها.
ألم يكن من واجب القطاعين العام والخاص الأخذ بعين الاعتبار جملة من المعطيات من بينها دعم وتشجيع الصناعات المحلية وتعزيز قدرتها التنافسية، وكذلك دراسة الأولويات والاحتياجات الحقيقية للأسواق والعمل على توجيه الانتاج وفق تلك الاحتياجات؟.
ربّما جاء الوقت للعمل على تحديد التكلفة الحقيقية للمنتجات ووضع الأسعار المنطقية بناء على تلك التكلفة لتقليص الهوّة الخيالية (قدر الامكان) بين الأجور والأسعار.
قد تكون تلك الأفكار البعيدة عن أرقام الخبراء جزءاً من حلولٍ أخرى أكثر تفصيلاً وعمقاً يتحدث عنها الكثيرون، لكن ما يحدث على الأرض هو أن بعض القائمين على التخطيط للقطاع الاقتصادي يحبّون القفز دون امتلاك مظلة، وهنا تكون النتيجة غير مرغوبٍ فيها.
Discussion about this post