العالم الاقتصادي – متابعات
لا أرى مثلهم اعتزازا بالعمل كمعبر مثالي عن الكرامة، إنهم يمثلون جيشا متحركا ازدادت فصائله مع بدء إقفال بيوتنا علينا منذ عامين تحت وطأة انتشار وباء كورونا. كنا نراهم بملابس براقة وشعارات مختلفة لكنهم جميعا يضعون الحقائب المربعة على ظهورهم ويجوبون المناطق لتوزيع الأطعمة على البيوت. هؤلاء جنود توصيل وجبات الطعام. غالبيتهم في أعمار غضة اكتشفوا أن بإمكانهم أن يستبدلوا التسلية في قيادة دراجاتهم بمقابل مالي مفيد في نموذج أعمال مرن. فكان أحدهم يشجع الآخر وكلما مروا في الطرقات حفزوا غيرهم على أن يكون معهم.
هذا العمل ازدهر على مدى العامين الماضيين ويسيطر عمالقة التكنولوجيا على هذا القطاع مدعومين بتطبيقات الهواتف الذكية، حيث ينفق الناس المزيد من ميزانيتهم الأسبوعية لطلب الطعام عبر الإنترنت، وأدارته بشكل مفيد شركات التوصيل، فازدادت المنافسة ووفرت فرصة رائعة لتشغيل جيل مقبل على الحياة وبدأ يشعر مبكرا بصعوبتها. من المفيد الإشارة إلى أن شركة أوبر للنقل التشاركي أبرمت صفقة مع بداية انتشار كورونا لشراء تطبيق بوستميتس لتوصيل طلبات الأطعمة بقيمة 2.63 مليار دولار.
ويكفي أن نذكر هنا أن قيمة قطاع توصيل الأطعمة إلى المنازل وصل في الولايات المتحدة وحدها في سنة ذروة انتشار فايروس كورونا إلى 5.8 مليار دولار. وفي الصين 104 مليارات دولار. وسيصبح هذا الرقم مثيرا لشهية منظري اقتصاد الأعمال عندما يتم جمعه مع بقية دول العالم، في خدمة أطلق عليها تسمية “المطاعم المظلمة” في إشارة إلى خلوها من الزبائن الذين ينتظرون وصول الوجبات إلى منازلهم.
كذلك أصبح واقع طلب الطعام الجاهز خيارا مفيدا للأسر التي لا تمتلك ما يكفي من الخيارات لطهي الطعام في منازلها لأسباب متعلقة بطبيعة التزاماتها في العمل.
لكن مع انتهاء الحجر وعودة الحياة إلى طبيعتها، يتساءل مئات الآلاف من العاملين في توصيل وجبات الطعام إلى المنازل إن كان عملهم سيستمر بنفس الوتيرة بعد أن بدأت المبيعات في التباطؤ. كانت تطبيقات توصيل الوجبات قبل الجائحة أكسسوارا للتسلية على الهواتف الذكية، لكن كل شيء تغير بعد الجائحة، خصوصا في بدايتها، حين كان الناس في حالة توتر شديد. لكن ما الذي ينتظر ذلك الجيش من عمال التوصيل بعد انتهاء الجائحة، وكيف يعيد نموذج الأعمال هذا ابتكار نفسه في اقتصاد ما بعد كورونا؟
لم أشعر بالتعاطف المشجع بالإطراء مع نفسي، مثلما أرى أيّا من هؤلاء الشباب وهم يقودون دراجاتهم لإيصال الوجبات. ولا أريد أن يتحول هذا التعاطف في اقتصاد ما بعد كورونا إلى تأسّ حين يعود هؤلاء الشبان إلى التنزه بدراجاتهم الهوائية من دون أن ينتظروا من يدفع لهم مالا مقابل ذلك.
Discussion about this post