العالم الاقتصادي- رصد
مرض السكري هو مرض مزمن يصيب الإنسان عندما يعجز البنكرياس عن إنتاج الإنسولين بكمية كافية أو عندما يعجز الجسم عن الاستخدام الفعال للإنسولين الذي ينتجه والإنسولين هو هرمون يضبط مستوى السكر في الدم، ويؤدي -مرض السكري- مع الوقت إلى الإضرار الخطير بالعديد من أجهزة الجسم ولا سيما الأعصاب والأوعية الدموية.
في عام 2014، كان المصابون بالسكري حول العالم يشكلون ما نسبته 8.5% من مجموع البالغين في الفئة العمرية من 18 عامًا فما فوق –وفقًا لمنظمة الصحة العالمية-، وفي عام 2019، كان السكري السبب المباشر في 1.6 مليون حالة وفاة، وحدثت 48% من مجموع هذه الوفيات قبل بلوغ سن 70 سنة من العمر.
وفي الفترة بين عامي 2000 و2016، ارتفعت معدلات الوفيات المبكرة الناجمة عن السكري بنسبة 5%، وكان معدل الوفيات المبكرة بسبب السكري في البلدان المرتفعة الدخل قد انخفض في الفترة ما بين عامي 2000 و2010 غير أنه ارتفع بعد ذلك بين عامي 2010 و2016. وارتفع معدل الوفيات المبكرة بسبب السكري في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا في كلتا الفترتين، ولذلك ما زال مرض السكري من أكثر الأمراض التي يسعى العلم وراء إيجاد عقار يستطيع علاجها تمامًا؛ فهل ينجح الحمض النووي المظلم في هذه المهمة؟
الحمض النووي المظلم.. لغز جديد يثير حيرة العلماء
«الجزء المفقود من الطبيعة الأم»؛ هكذا وصفه العلماء، لما يحوم حوله من غموض وتساؤلات. أطلقوا عليه “Dark DNA” أو «الحمض النووي المظلم»، ولنفهم ما هو الحمض النووي المظلم، يجب أن نعرّف الحمض النووي بشكل عام.
والحمض النووي هو مجموع الجينات الموجودة في كل الكائنات الحية، والذي يكون كل جين منها مسئول عن مهمة محددة في جسم الكائن الحي سواء كان إنسانًا أو حيوانًا أو نباتًا، وإذا اختفى جين بعينه من جسم الكائن الحي فهو قادر على إحداث تغييرات شكلية أو صحية واضحة لدى هذا الكائن.
وساعدت تقنيات دراسة وتحليل الحمض النووي؛ الإجابة على العديد من تساؤلات العلم التي كانت تُطرح عن الحيوانات منذ قرون؛ مثل: لماذا رقبة الزرافة طويلة؟، ووصل العلم لدرجة متطورة منحت البشر القدرة على دراسة ومقارنة الحمض النووي للحيوانات المختلفة ومعرفة كيفية تطورها بطرق فريدة وخاصة.
لكن جاء الحمض النووي المظلم؛ ليسدل النقاب على حقيقة الحمض النووي الكاملة، ويثير حيرة العلماء في فهم كيفية عمل أهم بناء حيوي في الكائنات الحية؛ الجينوم. ليكتشف العلماء أنه ما زال أمامهم الكثير لفهم آليات عمل الحمض النووي لدى الحيوانات، وبالتالي لدى البشر. واختار العلماء اسم الحمض النووي المظلم لوصف ظاهرة رُصدت لدى بعض الحيوانات الذي يفتقد الجينوم الخاص بهم؛ جينات مهمة لا يمكن لحيوان أن يحيا بدونها، ومع ذلك لا يعاني هذا الحيوان من أي خلل ظاهري أو صحي!
كيف يعيش فأر الرمال بحمض نووي مظلم؟
في عام 2017؛ وأثناء دراسة العلماء لحيوان فأر الرمل واسمه العلمي (Psammomys obesus) وهو نوع من أنواع الجربوع الذي يعيش في الصحراء، وكان الغرض من هذه الدراسة هي تحديد تسلسل جينوم فأر الرمل بشكل عام، وبشكل خاص دراسة الجينات المتعلقة بإنتاج الأنسولين لفهم سبب تعرض هذا الحيوان لمرض السكري من النوع الثاني.
ولكن عندما بحث العلماء عن جين يسمى “Pdx1” والذي من شأنه التحكم في إفراز الأنسولين؛ وجدوا أن هذا الجين مفقود بالإضافة إلى 87 جينًا آخرين من المفترض أن يكونوا محيطين بهذا الجين، وما أثار دهشة الباحثين القائمين على هذه الدراسة هو أن بعض هذه الجينات ضرورية لبقاء الكائنات الحية على قيد الحياة؛ بمعنى أن: «علميًا وطبيًا يجب أن يكون هذا الحيوان ميت؟ ومعنى أنه ما زال على قيد الحياة؛ هو إن هذه الجينات يجب أن تكون موجودة؛ فأين هي؟».
إذا لم تجد الشيء؛ حاول البحث عن آثاره، وهذا ما فعله العلماء في محاولة فهم هذا اللغز، واستطاعوا بالفعل أن يجدوا المنتجات الكيميائية التي لا يمكن أن ينتجها سوى الجينات «المفقودة» أو «المظلمة»؛ وهذا معناه أن تلك الجينات موجودة لكنها مخفية، لذلك أطلق العلماء على هذا النوع من الجينات اسم «المادة المظلمة للحمض النووي» مشبهين إياها بالمادة المظلمة في الكون والتي تشغل جزءًا كبيرًا من الكون ولكن لم يستطع البشر اكتشافها وتحليلها حتى الآن.
لكن هذا الغموض لم يمنع العلماء من الاستمرار في استكشاف الحمض النووي المظلم في فأر الرمال؛ ووجدوا أن هناك جزءًا واحدًا من جينوم الفأر على وجه الخصوص به طفرات جينية تفوق جينومات القوارض الأخرى بشكل لافت للنظر ومثير للدهشة، تلك النقطة التي أطلق عليها العلماء في دراستهم «النقطة الساخنة» كانت غنية بالمواد التي من شأنها تشكيل الحمض النووي، لكنها متحوره ومتطورة بشكل يصعب رصدها باستخدام الطرق العلمية القياسية.
ورجح العلماء أن بعد وصول الجين لدرجة معينة من التطور الكبير؛ يتوقف الجين عن العمل، ومع ذلك يستطيع الفأر أن يعيش بالرغم من التغيير الجذري الذي وقع في تسلسل حمضه النووي؛ وتلك مهمة صعبة للغاية بالنسبة للجينات -على حد وصف الدراسة- فهي مثل أن «تطلب من الإنسان أن يعد باستخدام الحروف الأبجدية».
من خلال دراسة جينوم الجرذ الرملي بشكل أكبر، وجدوا أن جزءًا واحدًا منه على وجه الخصوص به طفرات أكثر بكثير من تلك الموجودة في جينومات القوارض الأخرى. جميع الجينات الموجودة في هذه النقطة الساخنة للطفرة تحتوي الآن على حمض نووي غني جدًا بالـ GC، وقد تحورت إلى درجة يصعب اكتشافها باستخدام الطرق القياسية. غالبًا ما توقف الطفرة المفرطة الجين عن العمل، ولكن بطريقة ما تستطيع جينات جرذ الرمال أداء أدوارها على الرغم من التغيير الجذري في تسلسل الحمض النووي. هذه مهمة صعبة للغاية بالنسبة للجينات. إنه مثل «فوز شخص في لعبة تعتمد على الأرقام؛ بينما لم يتعلم إلا الحروف الأبجدية فقط».
لم تكن تلك المرة الأولى التي يكتشف فيها العلماء حمضًا نوويًّا مظلماً، ففي عام 2014 وفي دراسة نشرت تحت عنوان “Conserved syntenic clusters of protein coding genes are missing in birds” أو «المجموعات التركيبية من الجينات المشفرة للبروتين مفقودة في الطيور»؛ رصد العلماء الظاهرة نفسها في بعض أنواع الطيور، لكن الكشف الذي يخص فأر الرمال أكثر أهمية بالنسبة للبشر؛ لأنه فتح الباب لدراسة كيفية الاستفادة من هذا الكشف لمساعدة مرضى السكري من البشر.
كيف يمكن لهذا الكشف أن يساعد مرضى السكر من النوع الثاني؟
ما أدركه العلماء من هذه النوعية من الحمض النووي وجيناته المظلمة؛ أن تلك الجينات الموجودة بدون تشفير ليست جينات «مهملة» أو «خردة» كما كان يطلق عليها من قبل، بل إنها جينات قد مرت بطفرة كبيرة جدًا لدرجة جعلتها تتوقف عن العمل، وهذا الكشف يرجح كفة فكرة أن بعض المناطق الأقل شهرة ودراسة في الجينوم، والتي كانت تعرف من قبل باسم الجينات «غير المرغوب فيها»، تلعب في الواقع دورًا مهمًا في إبقاء الكائنات الحية على قيد الحياة.
100 عام من النجاة.. تاريخ الإنسولين الذي أعاد الحياة إلى مرضى السكري
وأوضح البروفيسور خورخي فيرير، رئيس علم التخلق والأمراض في قسم الطب في إمبريال، والذي قاد الدراسة التي كان من غرضها الكشف عن الدور الذي يلعبه الحمض النووي المظلم في تنظيم مستويات السكر في أجسام الكائنات الحية، أن تعرّف العلم على هذا الحمض النووي المظلم يمكن أن يوفر طرقًا جديدة للعلاج بالعقاقير لمرضى السكري، كما أن له القدرة على منح العلماء الإجابات التي تخص الآليات الكامنة وراء الإصابة بمرض السكري؛ وكلما فهم العلماء تلك الآليات؛ كانوا قادرين على علاج المرض.
وكما أسلفنا فإن مرض السكري من أكثر الأمراض انتشارًا في أنحاء العالم، ومن المعتاد أن يكون هناك فرد في العائلة الواحدة أو أكثر من فرد مصاب بهذا المرض، ولهذا تشكل تلك الدراسات أهمية لكل البشر وليس للعلماء فقط، فإذا استطاع العلماء من خلال دراسة الحمض النووي المظلم؛ الكشف عن عقار ينجح في القضاء على مرض السكر نهائيًا؛ فإن هذا سيكون واحدًا من أهم الكشوف الطبية في العصر الحديث.
– sasapost –
Discussion about this post