بقلم: د. جمعة السهو
يعد مفهوم التنمية من المفاهيم الحديثة التي ظهرت بقوة على الساحة الدولية في العقود الأخيرة، وأصبحت من أهم المصطلحات التي تُعبر عن سعي المجتمعات والدول والمنظمات والهيئات والمؤسسات الدولية إلى تحقيقها وتطبيقها، وتهدف التنمية بصورة رئيسية إلى الارتقاء بالحياة الإنسانية وتحقيق أعلى مستوى ممكن من الرفاهية للمواطنين من خلال تأمين كافة احتياجاتهم، وتتخذ التنمية صوراً وأشكالاً مختلفة منها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية وكذلك الإدارية، وهي ستكون محور اهتمامنا هنا، فما هو مفهوم التنمية الإدارية وأهميتها؟ وما هي أهدافها ومعوقاتها؟ وما هي العلاقة بين التنمية الإدارية والتنمية البشرية ومؤشرات كل منهما في سورية؟
أولاً- مفهوم التنمية الإدارية وأهميتها:
من المعروف أن التنمية الإدارية ليست عملية تلقائية يمكن أن تحدث وفقاً لقوانين الطبيعة كحدوث الليل والنهار، كما أنها ليست هبة الله لعباده الصابرين دون بذل المساعي والجهود، وهي ليست سلعة يمكن استيرادها من هذه الدولة المتقدمة أو تلك. وتؤكد جميع النظريات الإدارية القديمة والمعاصرة رغم اختلافها على أن التنمية الإدارية وفقاً لما أبرزته العديد من أدبيات الفكر الإداري المعاصر هي “عملية تغيير جذري في النظم واللوائح والهياكل والعلاقات والتشريعات وأنماط السلوك الإداري التي تأتي استجابة لمحاولات التطوير التي تبذلها الدول في معالجة المشكلات الإدارية التي تواجهها للإسراع في تقدمها في كافة المجالات، وذلك من خلال تطوير التنظيمات والنظم الإدارية لتحقيق التقدم المطلوب”، فالتنمية الإدارية تدل على مضمون الإصلاح والتحديث والتطوير الإداري، ومن هنا يمكن فهم العلاقة الوثيقة بينها وبين مفاهيم العجز الإداري والمالي، والتطوير والإصلاح الإداري، فالتنمية الإدارية هي الجهود التي يجب بذلها باستمرار لتطوير الجهاز الإداري في الدول سعياً وراء رفع مستوى القدرة الإدارية عن طريق: وضع الهياكل التنظيمية الملائمة لحاجات العمل الإداري، وتبسيط نظم العمل الإداري وإجراءاته، وتطوير مهارات القوى العاملة ومحاولة تنمية سلوك إيجابي لدى الموظفين تجاه أجهزتهم والمتعاونين معها، وتحسين بيئة العمل التي تؤثر في الجهاز الإداري وتتأثر به، وكل ذلك لتحقيق أهداف خطط التنمية الاقتصادية بكفاية عالية وبأقل التكاليف.
ولكي تصبح التنمية الإدارية فعّالة ورشيدة لا بدّ من توفر ظروف وعوامل تساهم في إنجاحها منها المساءلة، والمساواة، والمشاركة، والشفافيّة، والقدرة على التأقلم وكذلك الاستجابة للمتغيّرات، حيث إنّ التنمية هي بمثابة نتيجة نهائية للعديد من العمليات طويلة الأجل، والتي تنتج عن نوع من التخطيط السليم، ويتمّ تنفيذها بعناية، مع ضرورة وجود قناعة بالأثر الإيجابيّ الناتج عن القيام بها.
أما أهمية التنمية الإدارية فتكمن في ضمان أن تقوم مجالس الإدارة بدورها في الإشراف على كافّة أعمال الإدارة، والقيام بدور فعّال في التدقيق على كافة الأعمال الإدارية والمالية، ووضع آليات تسمح بمساءلة الإدارة التنفيذيّة، وتؤمّن التنمية الإدارية الالتزام بتطبيق معايير المراجعة والتدقيق المالي، والتي تساعد في الحد من الممارسات السلبية للإدارة، وتفعيل دور وحدات إدارة المخاطر والرقابة عليها، وتقييم وتحسين العمليات الداخلية في المؤسسة وتحقيق الضبط الداخلي، وتحقق التنمية الإدارية الإفصاح والشفافية بما يحقّق مصالح الأطراف المختلفة ذات العلاقة، كما أنها تحدّ من السلوك غير الأخلاقي والفساد والتلاعب في كافة الجوانب الإدارية، وتساعد التنمية الإدارية في تصويب وتقويم أداء المؤسسات من خلال الالتزام بالمتطلبات القانونية والإدارية، وفحص خلفيات الموظفين المتقدمين لشغل الوظائف وسجلاتهم الوظيفية السابقة لضمان نزاهتهم وشفافيتهم، والتأكّد من أنّهم يملكون مجموعة من القيم والأدبيات الأخلاقية تكون بمثابة البوصلة التي توجههم نحو أداء المهام المطلوبة منهم.
ثانياً- أهداف التنمية الإدارية ومعوقاتها
تهدف التنمية الإدارية إلى تحقيق مجموعة من الأهداف أهمها حسن استغلال الموارد المتاحة، لتحقيق التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية، والعمل على توفير كافة المعدات والأدوات التي يحتاج إليها العمل الإداري، ووضع النظم والأساليب الإدارية بشكل صحيح للإسهام في تحقيق التقدم والتطور في كافة المجالات، وتوفير الوسائل التكنولوجية الحديثة التي تسعى لرفع كفاءة العمل الإداري والوظيفي، والتخلص من اللوائح والقواعد والأنظمة التي تعطل سير العمل، والعمل على تحقيق التناسق والتكامل بين التخصصات لتحقيق الأهداف المنشودة، ومحاولة تطوير الأنظمة القائمة وإدخال كل ما هو جديد من أجل التوسع والتطور.
أما معوقات التنمية الإدارية فتتمثل بمجموعة من المشكلات والعقبات التي تقف في طريق تحقيق التنمية الإدارية أهمها: غياب التنسيق بين الوحدات والمؤسسات والأجهزة الإدارية داخل المنشأة أو المؤسسة أو الوزارة أو الحكومة، وعدم توافر الموارد المادية اللازمة لعملية التنمية الإدارية، نقص الأدوات والمشاكل التكنولوجية، وغياب الوعي لدى العاملين ونقص المعرفة بمفهوم التنمية الإدارية وأهميتها، وعدم وجود كوادر مدربة قادرة على قيادة مشروع التنمية الإدارية، وهذا ما يطرح إشكالية العلاقة الجدلية بين التنمية الإدارية والتنمية البشرية.
ثالثاً- العلاقة الجدلية بين التنمية الإدارية والتنمية البشرية:
إن العلاقة الجدلية بين التنمية البشرية والتنمية الإدارية تنبع من كون التنمية البشرية هي مقدمة للتنمية الإدارية أولاً، كونها تهتم بالنمو الإنساني في مختلف مراحل الحياة لتنمية قدرات الإنسان وطاقاته ومساعدته على تطوير أدائه واستغلال مواهبه بالشكل الأمثل، وكلها عوامل تساعد في صقله لقيادة دفة التنمية الإدارية، وثانياً من واقع أن أحدهما وهي التنمية الإدارية يعتمد بشكل كبير على الآخر وهي التنمية البشرية، فقد أثبتت التجارب في العديد من البلدان بأن التنمية الإدارية لا يمكن أن تنجح بدون تنمية بشرية لأن الفرد في المجتمع هو الأحوج أولاً للتنمية لكي يستطيع أن يقود عملية التنمية الإدارية في بلده، وكذلك فإن التنمية الإدارية لا يمكن أن تقوم بدون وجود موارد بشرية علمية مثقفة ومؤهلة، وبالنظر إلى تجارب الدول النامية التي اعتمدت على رأس المال البشري المستود؛ فقد كلفها خسارة مزدوجة الأولى في مواردها، والثانية فوات الفرص لعدم استغلال وتأهيل الموارد البشرية الوطنية، وبالتالي فإن تنمية الانسان في الدولة تقود إلى التنمية الاجتماعية وتعبئة الطاقات البشرية للنهوض بالمجتمع من خلال توجيه الرعاية التعليمية والتقنية للسكان وتطوير مهاراتهم ليكونوا قادرين على مسايرة التنمية، وهذا ما فرض أولوية التنمية للطاقات البشرية قبل إنشاء المصانع والمؤسسات وهناك تجارب رائدة في هذا المجال مثل تجربتي الصين وماليزيا.
رابعاً- مؤشرات التنمية البشرية والإدارية في سورية
يستخدم لقياس التنمية البشرية دولياً متوسط يعرف بـ “دليل التنمية البشرية “، وهو متوسط يبنى على ثلاث مؤشرات قابلة للمقارنة بين الدول المختلفة وهي متوسط عمر الفرد الذي يعكس مؤشر الصحة والغذاء، ومعدل التعليم والثقافة بين البالغين، ومتوسط دخل الفرد المالي وهو مؤشر عن مستوى المعيشة والرفاهية، وتتراوح قيمة دليل التنمية البشرية بين الصفر (0) للحد الأدنى، وواحد (1) للحد الأقصى بحيث يكون: قيمة دليل التنمية أقل من (0.5) يعني أن التنمية البشرية في الدولة ضعيفة، وبين (0.5) و(0.8) يعني أن التنمية البشرية في الدولة متوسطة، أما إذا كانت قيمة دليل التنمية أكبر من (0.8) يعني أن التنمية البشرية في الدولة عالية، وقد كانت سورية قبل الأزمة تسير بخطى ثابتة نحو تنمية بشرية متوسطة حيث بلغ دليل التنمية في الأعوام 2009-2013 معدل (0.66) ثم تراجع معدل التنمية إلى (0.59) في عام 2014، وبحسب تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة عن عام 2016 فقد انخفض مؤشر التنمية البشرية في سورية إلى (0.53) لتصبح ضمن قائمة الدول ذات التنمية البشرية المنخفضة بالمرتبة 149 عالمياً.
أما مؤشرات التنمية الإدارية في سورية فلم تصدر حتى الآن عن وزارة التنمية الإدارية مؤشرات فعلية لقياس أداء الإدارة العامة في سورية وذلك نظراً لعدم اكتمال مراحل المشروع الوطني للإصلاح الإداري الذي تجاوز مرحلة التأسيس والحضانة ولم يصدر بعد تقريره السنوي عن أداء المؤسسات والهيئات العامة والوزارات، ولكن مع ذلك يمكن الاستئناس بقرار رئاسة مجلس الوزراء رقم (59/م.و) تاريخ 8/8/2017، الذي حدد آليات اعتماد مؤشرات التنمية الإدارية حيث عرف مصطلحات قياس الأداء الإداري، والأداء الإداري، والأداء الفني، ومعيار الأداء والتميز، وتهدف عملية القياس الإداري إلى تطوير عمل الجهات العامة ودعم الشفافية المؤسساتية من خلال الاستجابة لتطلعات المواطن ومعالجة الخلل ومكافحة الفساد الإداري في سورية، وتعتمد معايير قياس الأداء الإداري للجهات العامة وفقاً للمشروع الوطني للإصلاح الإداري وفق المؤشرات الآتية جودة التنظيم المؤسساتي (40 نقطة)، تبسيط الإجراءات (20 نقطة)، مكافحة الفساد الإداري والاستجابة للشكوى (20 نقطة)، رضا المواطن (10 نقاط)، ورضا الموظف (10 نقاط)، ويتم حساب كل مؤشر من المؤشرات السابقة وفق شرائح قياس محددة تعتمد على معايير ومحددات مختلفة.
Discussion about this post