العالم الاقتصادي- رصد
على نقيض لقاحات بعض الأمراض الفيروسية الأخرى، تتضاءل فعالية لقاح الإنفلونزا الموسمية من عام لآخر؛ إذ تتراوح فعَّالية لقاحات الإنفلونزا عادةً من 40% إلى 60%، وفي بعض الأحيان تنخفض فعاليتها إلى 10%. رغم ذلك، يجب الحرص على تلقي لقاحات الإنفلونزا. تابع قراءة السطور التالية، لمعرفة لماذا تقلُّ فعَّالية لقاح الإنفلونزا، ولماذا يجب الاستمرار في الحصول عليه برغم ذلك؟
هكذا يعمل لقاح الإنفلونزا
وفقًا لما ذكرته مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأمريكية (CDC)، فهناك أربعة أنواع من فيروسات الإنفلونزا: A وB وC وD. تتسبب فيروسات الإنفلونزا البشرية A وB في حدوث أوبئة موسمية للإنفلونزا، تُعرف باسم موسم الإنفلونزا، وهو يحدث كل شتاء.
يُهيئ لقاح الإنفلونزا الموسمية الجسم لمواجهة أربعة أنواع من فيروسات الإنفلونزا، نوعان من فيروسات الإنفلونزا A من النوعين الفرعيين (H1N1) و (H3N2)، واثنان من فيروسات الإنفلونزا B ما يعرف بسلالتي فيكتوريا وياماغاتا. تتحور فيروسات الإنفلونزا هذه بسرعة من سنة إلى أخرى، ما يعني أن كودها الجيني يتغير، كما أن البروتينات التي تظهر على أسطحها الخارجية تتغير بسرعة أيضًا.
تتمثل فعالية لقاح الإنفلونزا بشكل أساسي، على تدريب الجهاز المناعي للجسم على التعرُّف إلى أحد هذه البروتينات السطحية، الذي يُسمى «Hemagglutinin (HA)»، وهو البروتين الذي يُمكِّن فيروسات الإنفلونزا من الارتباط بالخلايا والتسلل إليها لإصابتها. هذا البروتين يتطور بسرعة، ويؤدي بشكل أساسي إلى تغيير الفيروس كل عام؛ مما يجعل من الصعب على الجهاز المناعي التعرِّف إليه.
ولهذا تتضاءل فعالية لقاحات الإنفلونزا عامًا بعد عام
تُعد لقاحات الإنفلونزا أقل فعالية من اللقاحات الأخرى شائعة الاستخدام، مثل لقاح الحصبة أو الجديري المائي مثلًا، بسبب الطفرة السريعة في فيروسات الإنفلونزا وعدم القدرة على التنبؤ الدقيق بماهية السلالات التي قد تنتشر عند بدء موسم الإنفلونزا، وذلك لأنه يجب تصنيع لقاحات الإنفلونزا لكي تُصبح جاهزة للاستخدام قبل موسم الإنفلونزا، لذلك يستخدم العلماء إستراتيجيات غير دقيقة للتنبؤ بأي سلالات الإنفلونزا التي سيجري انتشارها في الأشهر المقبلة، فهم يحاولون توقع أي السلالات ستكون نشطة خلال الشتاء، في وقت مبكر، ولا مفر من هذا؛ لأن صنع اللقاح يستغرق وقتًا.
للتنبؤ بأي سلالات الإنفلونزا التي ستنتشر خلال موسم الشتاء، يقوم أكثر من 140 مركزًا وطنيًّا للإنفلونزا في 113 دولة بجمع عينات من الأشخاص الذين أُصيبوا بأمراض تُشبه الإنفلونزا على مدار العام، لتحديد أولئك الذين أصيبوا بالفعل بالإنفلونزا. بعد ذلك، تقوم خمسة مراكز تابعة لمنظمة الصحة العالمية بإجراء التسلسل الجيني للعينات، وتوصيف البروتينات الموجودة على سطح الفيروس، وإجراء الاختبارات المعملية لمعرفة مدى نجاح اللقاحات السابقة في تحييد سلالات الإنفلونزا المنتشرة، كما أنها تُحدد السلالات التي يبدو أنها تسبب المرض لمعظم الناس، ومدى سرعة انتشار هذه السلالات.
وبحلول الوقت الذي يبدأ فيه موسم الإنفلونزا، فإن سلالات أخرى من الإنفلونزا تتفوق على السلالات التي اعتقد العلماء أنها ستكون الأكثر انتشارًا.
ومع ذلك، حتى عندما تتطابق توقعات العلماء مع سلالات الفيروس التي ستنتشر بالفعل، تكون اللقاحات فعَّالة فقط بنسبة تصل إلى نحو 40% إلى 60%. هذه الفعالية التي يعدُّها العلماء «متواضعة» قد تكون مُرتبطة بحقيقة أن اللقاح يستهدف بروتين (HA) فقط، بدلًا من استهداف نقاط متعددة على فيروس الإنفلونزا. كذلك، قد تقل فعالية اللقاح، بسبب بعض العيوب، التي قد تنتج من طريقة تصنيع اللقاح والأجزاء المحددة من فيروس الإنفلونزا الذي يستهدفه.
لكن.. لماذا يجب الاستمرار في الحصول على لقاح الإنفلونزا؟
إذا لم يكن لقاح الإنفلونزا مضمونًا بفعّالية مؤكدة هكذا، فلماذا يجب أن نحصل عليه؟ الإجابة هي أنه في المتوسط، يكون الأشخاص الذين يحصلون على لقاح الإنفلونزا أقل عرضة للإصابة بالفيروس بنسبة تتراوح بين 40% و60% مقارنة بالأفراد غير المحصنين. لذلك، على الرغم من أن لقاح الإنفلونزا قد لا يمنع حدوث جميع حالات الإنفلونزا، فإنه يساعد في حمايتك من العدوى الشديدة والوفاة، ويمكن أن يساعد في تقليل انتشار الفيروس في المجتمعات.
يُذكر أنه خلال الأعوام العشرة بين عامي 2010 إلى 2020 ، مات ما بين 12 ألفًا و52 ألف شخص في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها بسبب الإنفلونزا، ونُقل ما بين 140 ألفًا و710 آلاف إلى المستشفى، وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض.
وجدت مراجعة نُشرت عام 2021 في مجلة لقاح الإنفلونزا أن البالغين الذين حصلوا على لقاح ضد الإنفلونزا ولكنهم أصيبوا بالمرض، كانوا أقل عرضة بنسبة 26% للحاجة إلى العناية المركزة، وأن المرضى الذين جرى تطعيمهم والذين انتهى بهم المطاف في المستشفى كانوا أقل عرضة للوفاة من الإنفلونزا بنسبة 31%. مقارنة بالأشخاص الذين لم يجر تطعيمهم.
متى يجب الحصول على لقاح الإنفلونزا؟
في ظل أنه لا يمكن التنبؤ بالضبط، متى يبدأ موسم الإنفلونزا ومتى ينتهي، وإن كان معروفًا أنه عادةً ما يبلغ نشاط الإنفلونزا ذروته في يناير (كانون الثاني) أو فبراير (شباط). يوصي مسؤولو الصحة بأن يحصل الناس على لقاح الإنفلونزا في أوائل الخريف، ويُفضل أن يكون ذلك بحلول نهاية أكتوبر (تشرين الأول)، وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض، وهي التوصية التي تظل قائمة حتى مع استمرار جائحة فيروس كورونا المُستجد، كوفيد-19.
هنا يجب معرفة، أنه لا يمكن للأطفال الذين تقلُّ أعمارهم عن ستة أشهر الحصول على لقاح الإنفلونزا، كذلك، الأشخاص الذين عانوا من رد فعل تحسسي شديد تجاه لقاح الإنفلونزا في الماضي يجب ألا يحصلوا على هذا اللقاح مرة أخرى.
أيضًا يجب ألا تحصل على لقاح الإنفلونزا إذا كنت تُعاني من ارتفاع في درجة الحرارة، فيجب أن تنتظر حتى تنتهي الحمى، ويُمكنك الحصول على لقاح الإنفلونزا، إذا كُنت تُعاني فقط من مرض بسيط، مثل نزلة برد خفيفة أو صداع.
من ناحية أخرى، يجب ألا يحصل الأشخاص المصابون بكوفيد-19 على لقاح الإنفلونزا حتى يستوفوا معايير التوقف عن العزل، لتجنب تعريض العاملين في مجال الرعاية الصحية والمرضى الآخرين للفيروس.
هل هناك طريقة لتحسين فاعلية لقاح الإنفلونزا؟
يُحاول العلماء والباحثون حاليًا التوصل إلى لقاحات جديدة ومحسَّنة للإنفلونزا تهدف إلى توفير مزيد من الحماية، وقد تُمكِّن البعض من عدم الاحتياج إلى أخذ اللقاح كل عام. فمثلًا، يعمل الباحثون في جامعة ستانفورد على تطوير لقاح ضد الإنفلونزا يستهدف جذع HA، بدلًا من ملاحقة بروتين HA نفسه.
فعلى الرغم من أن بروتين HA يتحور بسرعة كبيرة، فإن جزءًا من جذعه يبدو متماثلًا في العديد من سلالات الإنفلونزا المختلفة، ولا يتغير من سنة إلى أخرى. لذلك، يكون استهداف اللقاح للجذع أمرًا أكثر فعّالية من استهداف البروتين. ومن ثم، سيمكن أن توفر لقاحات الإنفلونزا الحماية ضد سلالات متعددة دون الحاجة إلى تحديث سنوي.
– sasapost–
Discussion about this post