العالم الاقتصادي- رصد
الجميع لديه التطفل ليعرف ما الذي يفعله الرؤساء وقادة الدول حين يخسرون مناصبهم أو يحالون إلى التقاعد أو يتقاعدون بأنفسهم، بحسب إحصاءات كثيرة أكدت حب التطلع لدى الجمهور لمثل هذا النوع من المعلومات.
فالرئيس أو القائد الذي يتحول إلى نجم إعلامي خلال ولايته أو حكمه تملأ صوره نشرات الأخبار والصحف ومواقع الانترنت ويتابعه عشرات الملايين من البشر على صفحاته في شبكة التواصل الاجتماعي، وتكون تغريدته على “تويتر” محل انتظار لأنها تغني عن مقالات ومقابلات وتحليلات سياسية كثيرة.
هذه الشخصيات التي تتمتع بالنجومية لفترات تقصر أو تطول تدفعنا للتساؤل عن كيفية إكمالها لحياتها حين تخرج من الضوء.
الجميع سأل المستشارة الألمانية عما ستقوم به بعد خروجها من المستشارية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الرئيسين الأميركيين الأخيرين باراك أوباما وترمب اللذين لا يزالا يشغلان العالم حتى اليوم في حلهما وترحالهما ومواقفها السياسية التي تدعم الديمقراطيين في الانتخابات مثلاً من قبل أوباما، أو محاولات الاعتراض والتشويش التي ما زال يقوم بها ترمب للتغطية على التحقيقات التي تجري بخصوص اقتحام مبنى الكابيتول بعد إعلان نتائج الانتخابات الأميركية وخسارته فيها.
امتيازات الرؤساء الأميركيين بعد البيت الأبيض
كتبت ماريسا لاليبيرت في تحقيقها المنشور في مجلة “ريدرز دايجست” الأميركية حول الامتيازات التي يتمتع بها الرؤساء الأميركيون حتى بعد خروجهم من البيت الأبيض، “سواء أقام في البيت الأبيض لأربع أو ثماني سنوات، فإن رئيس الولايات المتحدة يحصل على مزايا لمدى الحياة بعد تركه منصبه، فبفضل قانون الرؤساء السابقين الذي تم تمريره عام 1958، يحق لهم الحصول على مجموعة متنوعة من الامتيازات التي ستدعمهم بأكثر من طريقة بغض النظر عما يقررون القيام به بعد مغادرة المنصب”.
وقبل ترك المكتب البيضاوي نهائياً والعودة للحياة الطبيعية، تسمح الحكومة الفيدرالية بصرف مبلغ 900 ألف دولار لعملية التسلم والتسليم بين الرئيسين، وقد يحصل السابق منهما على بعض هذه الأموال خلال الأشهر الستة التي تلي ولايته لاستخدامها في “إنهاء الشؤون في مكتبه”.
أما الراتب البالغ 400 ألف دولار الذي يتقاضاه الرؤساء كل عام وهم في مناصبهم، فليس سوى رأس جليد المبالغ التي يتقاضونها، ففي كل عام ولبقية حياتهم يحصل الرؤساء بصفتهم قادة عسكريين سابقين وكذلك جنرالات الجيش المتقاعدين على معاشات تقاعدية تقارب راتب سكرتير مجلس الوزراء، أي حوالى 211 ألف دولار.
وبات من العرف أن يقوم الرئيس الأميركي بإنشاء مكتبة ضخمة تحمل اسمه في أي ولاية أميركية يختارها، كتذكار علمي وثقافي وصرح ضخم للأبحاث والدراسات، يكون تحت إشراف الرئيس ما بعد ولايته، وينشئ مؤسسة تابعة لهذا المركز تستطيع الحصول على المساعدات والدعم من المؤسسات والأشخاص والشركات الداعمة.
ويبقى الرؤساء السابقون شخصيات عامة لبقية حياتهم، لذا يتمتعون بالحماية الأمنية هم وأولادهم حتى يبلغوا الـ 16 عاماً. وتحصل أرامل الرؤساء السابقين ومطلقاتهم على معاش تقاعدي قدره 20000 دولار كل عام، طالما أنهن لا يشغلن وظيفة عالية في مكتب اتحادي، ولم يتزوجن مرة أخرى قبل سن الـ 60.
ويقوم الرؤساء أيضاً بالتخطيط لجنازاتهم ويقومون بتكليف ضباط عسكريين بوضع خطة كاملة للجنازة مهما بلغت الكلفة التي يضعها الرئيس نفسه.
الرؤساء وأعضاء مجلس الشيوخ كمستشارين
الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما وبعد ثماني سنوات في البيت الأبيض، أعلن ممازحاً حين مغادرته أنه يرغب العمل في (Spotify)، فقد تعهد في الواقع بالبقاء ناشطاً سياسياً، وبالفعل فقد ألّف عدة كتب في تجربته السياسية، ونشط في مجال المحاضرات السياسية حول العالم التي تدر عليه مالاً كثيراً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى زوجته ميشيل أوباما، فما زالت تعمل في الشأن العام وفي جمعيات المجتمع المدني، وألفت بدورها كتاباً عن حياتها مع أوباما منذ شبابه حتى اليوم. وتحولت ابنتاه إلى نجمتين على وسائل التواصل الاجتماعي بعدما كبرتا خلال ثماني سنوات تحت أعين الكاميرات والإعلام على أشكاله.
أما الرئيس الثاني للولايات المتحدة جون آدامز فقد تقاعد ليمضي حياة هادئة مع زوجته أبيجيل، وعاش 25 عاماً أخرى محاطاً بالعائلة وقضى كثيراً من الوقت في الكتابة.
الرئيس جيمس ماديسون كان يعمل في المزارع قبل رئاسته، فعاد إلى هذا العمل واحتفظ بالعبيد فيها، وعاود نشاطه في جمعية “الاستعمار الأميركية”، وهي منظمة مثيرة للجدل حاولت إعادة الأفارقة المستعبدين إلى أفريقيا.
أما ريتشارد نيكسون المستقيل بعد فضيحة ووتر غيت (1969-1974) فقد واجه مشكلات صحية ومالية، فباع مذكراته في وقت لاحق، وأجرى مقابلات مدفوعة الأجر كي يتمكن من إعالة عائلته الكبيرة، ولكنه تمكن من العودة للمسرح الإعلامي العالمي لاحقاً.
أما جيمي كارتر (1977-1981) فيُنظر إليه على أنه أفضل مثال لما يجب فعله بعد انتهاء الولاية كرئيس للولايات المتحدة، فبعدما أنهكت مشكلات سياسته الخارجية رئاسته، عمل في القضايا الإنسانية من طريق جمعيته العالمية التي تحمل اسمه، وعمل في الدبلوماسية الدولية وكان مفاوضاً من أجل السلام في عدد من حروب العالم الثالث، وقام بكتابة العديد من الكتب، وفي العام 2002 حصل على جائزة نوبل للسلام، وفي سن الـ 92 لا يزال يشارك في مشاريع خيرية.
الراتب السنوي لعضو مجلس الشيوخ أو مجلس النواب هو 174 ألف دولار، لكن المال الحقيقي لا يأتي في فترة خدمتهم بل في الوقت اللاحق عليها، فبعد وقت مستقطع أو سكون لمدة عام واحد يمكن لأعضاء الكونغرس السابقين تشكيل جماعة ضغط، أو العمل في مثل هذه الجماعات السياسية أو المدنية، وغالباً ما يعملون كمستشارين للمنظمات أو الأفراد أو الشركات والمؤسسات في الحقول السياسية والقانونية التشريعية في مقابل أجور عالية يستحقونها بسبب خبرتهم وقدرتهم على التأثير داخل الإدارة، ويمكن لأحدهم أن يجني عشرات الملايين من الدولارات، لكن الأثر المالي للشركة التي يعمل لديها قد يكون بمليارات الدولارات على المدى الطويل.
المملكة المتحدة ومستشارو ألمانيا
ما زال ونستون تشرشل أحد أشهر رؤساء الوزراء البريطانيين في القرن الـ 20، وقد تولى منصبه على فترتين الأولى بين عامي 1940-1945 والثانية بين عامي 1951و1955، وعلى الرغم من أنه بقي نائباً لمدة تسع سنوات بعد ترك داونينغ ستريت للمرة الأخيرة عام 1955، لكن هذا لم يكن العمل الوحيد الذي قام به، فقد استمتع بالعودة للرسم وسافر في رحلات كثيرة حول العالم.
وفي العام 2014 بيعت إحدى لوحاته المسماة The Goldfish Pool ورسمها عام 1932، أي قبل توليه المنصب الأعلى في السياسة البريطانية بحوالى 1.8 مليون جنيه استرليني في مزاد، وانصرف أيضاً إلى الكتابة في فترة تقاعده فأصدر بحثاً ضخماً في أربعة مجلدات بعنوان “تاريخ الشعوب الناطقة بالإنجليزية”.
توني بلير الرئيس الذي أثار ضجة كبيرة بعدما تبين أن تنظيره لحرب العراق لم يكن صحيحاً وعدم امتلاك بغداد لأي نوع من أسلحة الدمار الشامل التي على أساسها وقعت الحرب، ولكن تجربته المديدة في سدة رئاسة الحكومة وفي مرحلة عصيبة سياسياً ساعدته في تأليف الكتب وتقديم الاستشارات لمجموعة كبيرة من شركات تصنيع السلاح أو مؤسسات الدراسات الجيوسياسية، وما زال يلقي المحاضرات السياسية في مختلف جامعات العالم.
ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني الذي استقال بعد أن صوتت المملكة المتحدة لمغادرة الاتحاد الأوروبي عام 2016، وفي أبريل (نيسان) 2017 أعلن بناءه لكوخ في حديقته خصصه لعزلته كي يؤلف كتاباً حول مسيرته السياسية.
أما تيريزا ماي فقد عادت لموقعها كنائب في مجلس العموم البريطاني، وألفت كتاباً حول تجربتها، وعادت إلى لعب الكريكيت هوايتها المفضلة بعد فترة نوم عميق، كما صرحت في إحدى المقابلات نتيجة إنهاكها في مفاوضات “بريكسيت”.
بحسب موقع “دويتش فيله” الألماني، حين سُئلت ميركل عن تصورها لما سيكون عليه تقاعدها، أجابت أنها “ستأخذ قسطاً من الراحة ولن تقبل أي دعوات”، وأنها ستستغل وقت فراغها في فعل الأشياء التي تثير اهتمامها، مثل “قراءة كتاب ما إلى أن تغفو عيناها”.
وكان عدد من أسلاف ميركل انتقلوا إلى القطاع الخاص بعد تركهم للمستشارية، فقد أصبح هيلموت شميدت، الذي ترك المستشارية عام 1982، ناشراً مشاركاً لصحيفة “دي تسايت” الأسبوعية، وقال في مقابلة عام 2012 إنه كان لا يقبل إلقاء أي محاضرة بمبلغ أقل من 15 ألف دولار، أما المستشاران السابقان هيلموت كول وغيرهارد شرودر، فقد عرفا أيضاً كيف يستغلان ماضيهما السياسي وشهرتهما لجني الأموال، فقد أسس كول شركة للاستشارات السياسية والاستراتيجية، فيما تم تعيين شرودر رئيساً لمجلس إدارة شركة خطوط أنابيب الغاز “نورد ستريم”، وهي شركة تابعة لشركة “غازبروم” الروسية، الأمر الذي أثار كثيراً من الانتقادات له، إذ اعتبر بعضهم أن عمله بهذه الشركة “يضر بالمصلحة العامة”.
في العالم العربي
في العالم العربي لا يمكن إيجاد عدد كبير من الرؤساء المتقاعدين، فأغلبهم إما سقط بانقلاب أو هجوم عسكري مثل علي عبدالله صالح في اليمن ومعمر القذافي في ليبيا وتم قتلهما، أو تم نفيهم مثل زين العابدين بن علي، أو توفي بعد الانقلاب مثل حسني مبارك وعبدالعزيز بوتفليقة، أو لا يزال حاكماً حتى الآن مثل بشار الأسد.
أما في لبنان حيث يتقاعد رؤساء الجمهورية فإن أغلبهم يلجأون إلى تقاعد فعلي تتخلله بعض المشاركات الاجتماعية، بينما يمكنهم التنعّم بالأموال الطائلة التي يحصلون عليها إما عبر التعويضات الضخمة التي يتلقونها بعد تقاعدهم من وظائفهم الأولى، وتحديداً جنرالات الجيش منهم، مثل إميل لحود وميشال سليمان، أو من الأموال التي جمعوها خلال توليهم فترة الرئاسة من العمليات المالية والصفقات التي يقومون بها خلال شغلهم لمناصبهم، وهؤلاء لم يبق منهم كثر على قيد الحياة، والمعروف منهم الرئيس الأسبق أمين الجميل.
أما رؤساء الحكومات في لبنان فغالباً ما يلفهم النسيان كما هو حال الرئيس الأسبق سليم الحص أو الرئيس أمين الحافظ الذي أمضى بقية حياته ناشطاً ثقافياً واجتماعياً ومجالساً للأدباء والكتاب والسياسيين المتقاعدين في مقاهي شارع الحمراء في بيروت، وبالطبع لا يذكر كثيرون أسماء رؤساء حكومات مثل سامي الصلح أو رشيد الصلح أو عبدالله اليافي أو حسين العويني أو حسان دياب الذي راح يبحث عن وظيفة لائقة حتى قبل انتهاء ولاية حكومته، بعدما كان أستاذاً في الجامعة الأميركية قبل تعيينه رئيساً للحكومة.
– إندبندنت عربية-
Discussion about this post