العالم الاقتصادي – رصد
منذ أن اقتحمت منصات التواصل الاجتماعي حياتنا اليومية بقوة، أصبح وجود محتوى جاذب هو العامل الأول للوجود بشكل ناجح في هذا العالم الرقمي الافتراضي، وتجسَّد هذا بقوة في صعود بعض صناع المحتوى الذين تحولت ألقابهم إلى ما يعرف بالشخصية العامة (Public Figure)، ثم تحول هذا اللقب إلى تخصص رقمي؛ فتحول الشخص البارز على منصات التواصل إلى مؤثر تواصل اجتماعي أو (Social media influencer).
وفي الأعوام العشرة الأخيرة تحديدًا، بدأ تنافس شديد بين هؤلاء المؤثرين في ابتكار حيل لجذب مزيد من المتابعين، فأطل علينا البعض بتقديم محتوى اجتماعي، أو ترفيهي أو فني. لكن البعض اختار تقنية عرفت بمفهوم «طُعم النقر» أو «Click bait» والذي تراوح بين صور مثيرة للانتباه، وبين موضوع شائك ومثير للدهشة والغموض. وفي تقريرنا التالي نفنِّد لكم بعض هذه الحيل التي استخدمها البعض لجذب مزيد من المتابعين، ونكشف لكم حقيقتها.
«خافيير»: مسافر عبر الزمن إلى عالم بلا بشر!
منذ عدة أشهر في مايو (أيار) 2021، انتشر بقوة أحد حسابات تطبيق التواصل الاجتماعي الشهير «تيك توك» لمؤثر إسباني باسم «unicosobreviviente» واسمه الحقيقي «Javier» أو خافيير، كان السبب وراء انتشار مقاطعه بشكل كبير هو أنه ببساطة كان يتجول في شوارع وأحياء إسبانيا وهي فارغة تمامًا من البشر! وكتب شارحًا أنه بطريقة ما قد سافر عبر الزمن إلى عام 2027، وأنه عندما وصل هناك كان العالم بلا بشر عداه!
تلك الفكرة دعمها خافيير بمقاطع صورها بهاتفه المحمول بدت فيها أشهر أماكن إسبانيا وهي بالفعل فارغة تمامًا بلا أي إنسان، وكان من بين هذه الأماكن أحد أبرز ملاعب كرة القدم في إسبانيا وهو ملعب «كامب نو» الشهير في برشلونة، بجوار متجر ضخم لأشهر الماركات الرياضية وهو فارغ الأروقة تمامًا بلا متسوقين.
جذبت هذه المقاطع ملايين المتابعين للتفاعل مع الحساب وصاحبه، وتساءل الكثيرون عن إذا ما كان هذا حقيقيًّا أم لا، ببساطة المقاطع تبدو حقيقة جدًّا ولا شك فيها، بينما أدرك البعض أن هناك خدعة وأنه قد صوَّر هذه الأماكن بالاتفاق مع الناس حوله لإخلاء المشهد، لكن عاد البعض الآخر ليؤكد استحالة استطاعة شخص واحد تعطيل متجر كبير أو ملعب رياضي شهير حتى لو كان المقابل كبيرًا؛ فما التفسير إذن؟
هنا أجاب البعض بأن المقاطع جرى تصويرها أثناء فترات الحجر الصحي في أعقاب فيروس كورونا؛ إذ كان العالم في أواخر العالم 2020 يصدِّر لنا صورًا رأيناها لأول مرة في حياتنا ربما، وهي كبريات الميادين والشوارع خالية من الازدحام تمامًا كما في المقطع السابق. لكن الإجابة هذه لم تكن حل لغز خافيير.
التفسير بسيط ومعقد في آنٍ واحد.. هذا ما يفعله المؤثرون
بعدما انتشرت مقاطع خافيير عالميًّا وبشكل كبير، دأب البعض على إيجاد تفسيرات توضح خلوَّ العالم من البشر، وهنا ظهرت تفسيرات منطقية تبنتها بعض المنصات الصحفية التي أدركت أن الأمر كله لا يتعدى مهارة في مجال تعديل الفيديو وتحريره بواسطة برامج التحرير البصري والصور المختلفة – وهي بالطبع مهارة معقدة تحتاج إلى الكثير من الدراسة- بواسطة الحواسيب المتقدمة؛ إذ يمكنه بسهولة تعديل وحذف الأشخاص من مقاطع الفيديو بكل سلاسة وبدون أن تظهر التعديلات في المشهد.
وفي مقطع فيديو، مثال لتعديل محترف بواسطة برنامج «Adobe After Effect» يستطيع في دقائق معدودة -وبامتلاك المهارة اللازمة- أن يغير معالم الخلفية لمقاطع الفيديو بإزالة الأشخاص أو الأغراض، وهو ما استخدمه خافيير على الأرجح، كما توجد برامج أخرى يمكنها تنفيذ الخدع البصرية ذاتها وبالدقة المطلوبة، منها على سبيل المثال: «HitFilm Pro» و«Apple Motion» المخصص لحواسيب أبل.
الوحوش والأشباح تمرح في الشوارع!
حساب آخر ازدادت شهرته في الآونة الأخيرة على تطبيق «تيك توك»، وفي مقاطع هذا الحساب تُنشر مجموعة من المقاطع السريعة المخيفة التي تجعل المشاهد يجفل ويقفز من مقعده أحيانًا من شدة الإبهار أو الخوف.
هذه المقاطع المبهرة والمخيفة انتشرت بين بعض مستخدمي «تيك توك» وغادرته إلى منصات أخرى، واشتهرت بين محبي الرعب على أنها مقاطع حقيقية، لكن الإجابة عن هذه المقاطع لم تحتج سوى بحث قصير عن الحساب الأصلي الناشر لها، وهو حساب رسمي موثق باسم «shortestblockbusters»، وبالطبع يمكننا أن ندرك من تسمية «Blockbuster» التي تشير في الإنجليزية الحديثة إلى الأفلام ذات الإقبال الكبير، والذي يعني أن اسم الحساب «أقصر الأفلام ذات الإقبال الكبير».
المدقق في المقاطع الأخرى لهذا الحساب الشهير سيدرك على الفور استخدام تقنية (Computer generated imagery) – وتعرف اختصارا بـ CGI – في ابتكار المشاهد بأكملها، وهي التقنية ذاتها المتبعة في ابتكار الأفلام السينمائية وألعاب الفيديو، وتتسم بتفاصيلها الواقعية، والذي يمكن لمن يشاهد الأفلام أو يمارس الألعاب أن يدركها بالعين المجردة. لكن للمستخدم العادي العابر على «تيك توك» قد تبدو المقاطع على أنها حقيقية أو مصورة بواسطة كاميرا هاتف؛ بينما في الحقيقة المقاطع بأكملها مختلقة بواسطة برامج الجرافيك المتقدمة وأبرزها: «Cinema 4D» وبرنامج «Adobe Premiere Pro» وغيرهم.
وبينما كان هذا الحساب متصدرًا للانتشار على «تيك توك» نظرًا إلى واقعيته وجودة تقنياته، كان هناك العديد من المؤثرين الذين ينتجون هذا النوع من المقاطع المرعبة، والتي عادة ما تحظى بشعبية كبيرة بين محبي الإثارة والرعب.
والمحترفون يفضحون الأشباح في الأروقة
مقاطع أخرى تلقى رواجًا كبيرًا بين مستخدمي منصات التواصل الاجتماعية، وهي مقاطع الأشباح التي تحرك الأغراض والأثاث. وبالرغم من أن رواج هذه المقاطع عامة ليس بجديد؛ إذ إنها تلقى عادة اهتمامًا كبيرًا بين الناس من محبى الغرائب والمؤمنين بالظواهر الخارقة، حتى خارج المنصات الكبرى مثل «تيك توك» و«يوتيوب»؛ إلا أن بعض مقاطع المؤثرين البريطانيين «Lainey» و«Ben» والذي يختص في البحث في «ظاهرة الأشباح» و«المنازل المسكونة» تلقى رواجًا أكثر من العادي.
الأمر مشوق بالفعل ويبدو أقرب إلى عوالم سلسلة أفلام الرعب الشهيرة «The Conjuring»، الذي يمثل البطولة فيها زوجان يحققان في المنازل المسكونة بالأشباح الغاضبة أيضًا، لهذا حازت مقاطع المؤثرين «بين» و«لايني» ما يقرب من 30 مليون مشاهدة في المجمل. وكان من بين هذه المقاطع مقطع تظهر فيه كاميرا ثابتة في مطبخ منزلهما (المسكون)، وبعد قليل تبدأ الأدراج في الانفتاح من تلقاء نفسها ثم تطير منها الملاعق، وحصد هذا المقطع وحده 21.5 مليون مشاهدة.
بالطبع أثارت هذه الشعبية الكبيرة اهتمام الناس عالميًّا، وكان من بين الذين تفاعلوا مع هذا المنشور؛ فريق آخر يحتل الصدارة في الشعبية على منصة أخرى وهي «يوتيوب»، هذا الفريق معروف باسم «Corridor Crew» أو «فريق الرواق» المتخصص في إنتاج الخدع البصرية السينمائية ويملكون قناة «يوتيوب» يصل عدد مشتركيها إلى 5.2 ملايين مشترك، وإجمالي مشاهدات تصل إلى 1.8 مليارات مشاهدة.
الفريق المتخصص عادة ما ينشر بشكل دوري نوع شهير من المقاطع على «يوتيوب»، وهي فيديوهات رد الفعل التي يقوم من خلالها صانع المحتوى بتصوير رد فعله وتعليقاته على مادة بصرية بعينها. وفي أحد أبرز فيديوهاتهم الأخيرة تناولوا مقطع الزوجين البريطانيين الشهير بجانب مقاطع أخرى، وكان رد فعلهم شبه ساخر عندما فسروا مقطع الشبح في المطبخ بكل بساطة على أنه (ليس خدعة بصرية حتى، هذا شُغل خيوط مخفية!) بمعنى أن الأدراج مربوطة بخيوط يجذبها أحدهم من خارج المشهد.
وناقش الفريق أن مثل هذه الأنواع من المقاطع عادة تنطوي على وجود خيوط خفية من النوع المستخدم في الألعاب السحرية، ولا تحتاج إلى أي عمل بصري تقني؛ بجوار تعليقهم على مقطع آخر لكاميرا مراقبة أمنية في أحد الأروقة التقطت حركة مريبة بأنها حتى ليست كاميرا مراقبة من الأساس لأنه ببساطة كاميرا المراقبة الخاصة بالمبنى ظاهرة في الفيديو بشكل واضح! مما يعني أنها كاميرا مزروعة لإعداد المشهد ليبدو وكأنه من كاميرا المراقبة الخاصة بالأمن.
وبينما تكون هذه المقاطع في الغالب محل رواج كبير، يجدر التذكير دائمًا بأنه في أغلب الأحيان تكون المقاطع المحيرة المثيرة للدهشة ما هي إلا محاولات – معقدة أو بسيطة – لجذب المزيد من المتابعين في عالم تحول إلى سوق رقمي كبير يربح فيه دائمًا من يستطيع أن يثبت براعته في جذب عدد أكبر من المتفاعلين بشتَّى الطرق؛ حتى وإن كانت هذه الطرق تنطوي على خداع أو حتى عمل غير أخلاقي.
Discussion about this post