العالم الاقتصادي – رصد
نشرت مجلة «The Atlantic» مقالاً للكاتب Derek Thompson يتناول الحرب التجارية التي يشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الصين والاتحاد الأوروبي وأنها سوف تفشل نظراً للأضرار الناجمة عن هذا القرار.
فعلى سبيل المثال: إعلان شركة هارلي ديفيدسون بأنها ستحول بعض خطوط إنتاجها خارج الولايات المتحدة لتجنب الرسوم الجمركية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على صادرات الولايات المتحدة ردا على الرسوم الأمريكية على الصلب والألومنيوم.
استهل الكاتب حديثه قائلاً: في بعض الأحيان في لعبة كرة القدم، قد يؤدى اعتماد فريق ما على الطريقة الدفاعية فقط أثناء المباراة إلى إتاحة الفرصة للفريق المنافس لتسجيل الأهداف، وهذا هو «هدفه الخاص». وذلك ما رأيناه في كأس العالم «روسيا 2018» حيث خسرت العديد من الفرق الرياضية التي تعتمد على استراتيجية الدفاع منذ الجولة الأولى للبطولة والتي تسمى بـ«دوري المجموعات»، لم يكن هناك مثال أكثر تعبيراً عن تداعيات قرار الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» بشن حرب تجارية مع الصين من هذا.
بعد أشهر من التحذيرات والتهديدات والمفاوضات الفاشلة مع الصين، بدأ مسؤولو الولايات المتحدة فرض تعريفات جمركية على السلع الصينية بقيمة 34 مليار دولار، ورداً على ذلك، قالت بكين إنها ستتخذ إجراءات انتقامية من خلال فرض ضرائب على الواردات الأمريكية مثل اللحوم وفول الصويا والسيارات.
ورداً على رد فعل بكين وعد ترامب بأنه سيفرض تعريفات جمركية أخرى على السلع الصينية التي تزيد قيمتها عن 200 مليار دولار في حالة متابعة بكين ذلك.
يُشار إلى هذا النوع من الهجوم على أنه حرب تجارية ولكن قد يكون من المهم التفكير فيه كمواجهة دولية للضرائب تمتلئ المفردات التجارية بمفاهيم مثل التعريفة الجمركية tariff، والرسوم levies، والتدابير الانتقامية retaliatory measures .
ببساطة التعريفة الجمركية تعنى ضريبة تقوم بدفعها الشركات التي تستورد البضائع والسلع من دول أجنبية أخرى من خلال رفع الأسعار على السلع المستوردة، وهو ما يعنى من الناحية النظرية أن الصناعات المحلية ستكون لديها قدرة أكبر على المنافسة.
مثال على ذلك: التعريفة الأمريكية المفروضة على الكحوليات المستوردة من اسكتلندا ستؤدي إلى رفع سعر «سكوتش» على الأمريكيين، وهو ما يجعل الويسكي الأمريكي أكثر جاذبية للمستهلكين.
خلاصة القول.. إن الدول التي تسعى للحفاظ على صناعتها المحلية تلجأ إلى فرض رسوم جمركية على السلع المستوردة، وهو ما يؤدي إلى زيادة أسعارها في السوق ومن ثم يلجأ المستهلك إلى استخدام السلع المحلية، أو قد يكون هدف الدولة التي تلجأ إلى استخدام هذا الأسلوب التأثير أو الاحتجاج على سياسات اقتصادية أو سياسية لبعض الدول الأخرى.
قال ترامب: «الحروب التجارية بهذه الحال جيدة ومن السهل تحقيق الفوز فيها»، دعونا نفكر في تلك الصفات.
أولاً: الحروب التجارية ليست «جيدة» بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تم الحديث بشكل واسع النطاق عن الأضرار الناجمة عن التعريفات الجمركية التي يفرضها ترامب.
فعلى سبيل المثال: أعلنت شركة هارلي ديفيدسون- المشهورة بصناعة الدراجات النارية الأمريكية- أنها ستحول بعض خطوط إنتاجها خارج الولايات المتحدة لتجنب الرسوم الجمركية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على صادرات الولايات المتحدة رداً على الرسوم الأمريكية على الصلب والألومنيوم.
كما أجلت البنوك الاستثمارات في المصانع الأمريكية الجديدة خوفاً من وقوعها في مرمى النيران المتبادلة، فضلاً عن شعور مصانع «الويسكي» بالقلق من أن التعريفات الجديدة ستجفف الصادرات إلى آسيا وأوروبا.
ربما لن تتحقق أياً من هذه المخاوف، وفي غضون ستة أشهر ستكون تأثيرات هذه التعريفات بالكاد قابلة للإدراك، أو ربما سيرتطم ترامب لرؤية الكرة في الجزء الخلفي من شبكته الخاصة؛ فمن بين 30 مقاطعة في الكونغرس تضررت بشدة من الرسوم الجمركية الانتقامية للصين، صوت نحو 25 لصالح ترامب.
ثانياً: وصفه للحرب التجارية بأنها «سهلة الفوز» إذا كنت تفرض ضرائب على الواردات من جزيرة صغيرة، على سبيل المثال تقودها حكومة ضعيفة أتت بانتخابات غير مؤكدة ليس لديها أي وسيلة لإنقاذ صناعاتها الضعيفة.
الصين ليست كذلك، فإنها اقتصاد سوق اشتراكي هائل، تقودها نخبة غير ديمقراطية لا تواجه ضغوطاً انتخابية، ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى مقولة «لا تتورط أبداً في حرب برية في آسيا» في إشارة إلى أحد الأخطاء التاريخية، ومن المعروف بشكل أقل بأنك: «لا تذهب أبداً في مواجهة اقتصاد السوق الاشتراكي عندما تكون على المدى المتوسط على الخط».
ما هو بالضبط الذي يحاول الرئيس ترامب تحقيقه هنا؟
من المهم أن نذكر أن الشركات الأمريكية والأوروبية لديها مشكلات حقيقية مع الصين، حيث تجسست الصين على الشركات الأجنبية وأجبرت شركات التكنولوجيا الغربية على تسليم التكنولوجيا الحاصلة على براءة الاختراع كشرط للبيع في السوق الصينية، إن الضغط على الصين لتغيير مسارها سوف يتطلب جهداً عالمياً منسقاً، وبناء حذراً للتحالفات في جميع أنحاء العالم، ونهج حذر لدفع الصين نحو تخفيض حواجزها أمام الدخول.
فبدلاً من تطوير التحالفات بين الدول، توترت العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا من ناحية والصين من ناحية أخرى، فمن الجدير بالذكر قيام الرئيس ترامب بفرض رسوم جمركية على واردات الولايات المتحدة من الصلب والألومنيوم من الاتحاد الأوروبي وكندا، وهو ما أثار غضب الاتحاد الأوروبي وعزمه على فرض رسوم انتقامية على الصادرات الأمريكية، في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات بين واشنطن وبكين بسبب فرض الولايات المتحدة رسوم جمركية على السلع الصينية، ومن ثم فإن التكتيكات والاستراتيجية تسير في اتجاهين متعاكسين.
على مستوى تحليلي أوسع، إن العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين تاريخية ومهمة، ففي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأ الأمريكيون في شراء المزيد من السلع الصينية بعد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001. وأصبحت السلع الصينية في متناول معظم المستهلكين، ولكن انتشار السلع الصينية في السوق الأمريكية دمر العديد من الوظائف، خاصة في المدن ذات الوجود الصناعي الكبير، بعد عدة سنوات، أصبحت هذه المدن المتضررة من السلع الصينية أكثر تأييدا لدونالد ترامب، وذلك وفقاً لأبحاث الخبير الاقتصادي ديفيد أوتور، لذلك ليس من المبالغة القول إن التجارة مع الصين، وتأثيرها على قوة العمل ساعدت على فوز ترامب.
يرى الكاتب “طومسون” أن هناك طرق كثيرة أفضل لتحسين وضع العمال المفصولين نتيجة انهيار الصناعات المحلية من خوض حرب تجارية ضد العالم بأسره، فتوفير شبكة أمان أقوى ومزايا شاملة واستراتيجية فيدرالية لدفع الأفراد للانتقال إلى مدن مختلفة من شأنها أن تساعد في تخفيف الآثار الحادة للعولمة على العمال في بعض الصناعات.
يقول جوش ميلتزر- زميل بارز في برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية في معهد بروكينغز: «إن الولايات المتحدة لم تتخذ القرار الأفضل بخصوص حماية العمال من الآثار الناجمة عن التجارة الحرة، غير أن منع التجارة الحرة سيؤدي إلى ردود أفعال سياسية، ومن ثم يجب أن يكون هناك نظام أكثر شمولاً لمساعدة العمال الذين فقدوا وظائفهم».
Discussion about this post