بقلم : يونس أحمد الناصر
ربما كان من أولى أهداف الحرب على سورية هو تدميرها اقتصادياً, لذلك رأينا العصابات المسلحة تعيث خراباً في كل مؤسساتنا ومصانعنا وتستهدف الطرق والسكك الحديدية والكهرباء والنفط والمؤسسات الصحية و التعليمية.
نشأت فكرة المعارض قديماً كوسيلة للتجار كي يروجوا لبضائعهم، حيث لم تكن سوى أسواقاً تجارياً كبيرة تقام سنوياً، أو ربما كل سنتين ليلتقي التجار والباعة الوافدون من البلدان المجاورة ليبيعوا ويشتروا البضائع، وظلت هذه الحال تتطور سنة تلو الأخرى حتى أصبحت المعارض على شكلها الحالي.
معرض دمشق الأول: في تاريخ 12 تشرين الثاني من عام 1927 افتتح في دمشق في منطقة العباسيين (مكان صالة 8 آذار اليوم) معرض زراعي لمدة خمسة أيام، واشترك في هذا المعرض إلى جانب سورية عدد من الدول مثل مصر وإيران وتركيا.
معرض دمشق الثاني: أقيم المعرض الثاني في 8 حزيران 1928 في مجمع اللغة العربية بالمدرسة العادلية عند باب البريد، وكان هذا المعرض خاصاً بالآثار الشرقية الإسلامية القديمة، وبالصناعات الشرقية كالصناعات المعدنية والخشبية والزجاجية، وكان عدد المشاركين فيه 68 عارضاً وعرض فيه قرابة 630 قطعة.
معرض دمشق الثالث: افتتح المعرض الثالث في آب 1929 في الجامعة السورية، وكان معرضاً للصناعات السورية الوطنية كصناعات النسيج والجلود والدباغة والزجاج والخشب والحلي والطباعة وصناعة الزيوت والصابون وكذلك صناعة السكاكر والمربى والفواكه المجففة.
معرض دمشق الرابع: أقيم عام 1936 من 31 أيار إلى 12 حزيران في مدرسة التجهيز الأولى.
نتيجة لهذه المعارض نما الإنتاج السوري وازداد حتى أصبحت له مكانته المرموقة في الأسواق العربية والدولية، ومن هنا نشأت عام 1952 فكرة إقامة معرض سنوي دائم في دمشق، حيث أقيم أول معرض في دمشق في الأول من أيلول/ سبتمبر عام 1954، واستمر لمدة شهر كامل وقد أقيم على مساحة وقدرها 250 ألف متر مربع، وفاق عدد زواره المليون زائر من مختلف الدول، شاركت في الدورة الأولى للمعرض 26 دولة عربية وأجنبية، إضافة لعدد من المؤسسات والشركات الصناعية والتجارية السورية، وتميز المعرض بأعمدته العالية التي تحمل أعلام الدول المشاركة على طول الشارع، وكان الباب الرئيسي للمعرض على نفس الشارع، وكان له قوس مميز يشبه قوس قزح وهو يعتبر من مظاهر “معرض دمشق الدولي”، وتم إنشاؤه عام1935م، وفي مطلع ستينات القرن العشرين رفع الفنانون السوريون نصباً تذكارياً للسيف الدمشقي في ساحة الأمويين وسط العاصمة دمشق كرمز لقوة المدينة ومنعتها، وكان افتتاح معرض دمشق الدولي في الخمسينيات حدثاً دولياً اقتصادياً كبيراً حقق نجاحاً فاق التوقعات، وأصدرت المؤسسة العامة للبريد بمناسبة انطلاق المعرض (طابع بريد تذكاري) وأصبح تقليداً مرافقاً لجميع دورات المعرض.
لم يقتصر نشاط المعرض على الأجنحة الدولية للدول المشاركة، وللشركات والأجنحة الصناعية والتجارية ومراكز الأعمال والنشاطات الاقتصادية، بل تقام فعاليات فنية وثقافية ترافق المعرض كل عام مثل المهرجان المسرحي الذي تشارك فيه فرق مسرحية من مختلف الدول، وكذلك المهرجان والحفلات الفنية الذي شارك ويشارك فيها سنوياً فنانون من سورية والدول العربية ودول لعالم، فغنى على مسرح المعرض كبار المطربين وشاركت عليها كبريات الفرق الفنية العربية والعالمية، وعلى مسرحه غنت فيروز أروع أغانيها والسوريين عامة يقترن معرض دمشق الدولي بأغاني فيروز: “سائليني يا شآم- أنت وأنا- يا حنينة- في لنا يا حب- قالوا لي كن- قعدت الحلوة- لما بدا يتثنى- جادك الغيث- عم بتضوي الشمس- شتي يا دني- يا ريت- يا قمر أنا وياك- دقت على صدري- يا طيرة طيري- بكوخنا يابني- نحنا والقمر جيران– مشوار– سهرتنا، كما غنت أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وكل عمالقة الفن العربي تقريباً.
توقف المعرض بسبب الحرب الظالمة على سورية ومع تباشير الانتصار تم افتتاح المعرض بدورته التاسعة والخمسين، وشهد المعرض حضوراً كثيفاً أذهل المنظمين والمراقبين، وقد زاره الملايين من السوريين والضيوف من خارج سورية.
لاشك أن عودة معرض دمشق الدولي بعد سنوات من الحرب على سورية يطوّب انتصاراً اقتصادياً يتوازى مع انتصار سورية العسكري على أعدائنا، ويعزز ثقة المستثمرين بالاقتصاد السوري في مرحلة إعادة الإعمار التي انطلقت لنعيد ما خربته الحرب.
Discussion about this post