العالم الاقتصادي- عمار الصبح
ما إن أعلن الجيش السوري سيطرته على معبر نصيب الحدودي وطرد التنظيمات الإرهابية المسلحة منه، حتى عاد المعبر “الأشهر” إلى واجهة الأحداث ليتصدر المشهد من جديد، وسط تفاؤل من قبل الاقتصاديين تجاراً كانوا أم صناعيين من ثلاث دول تعتبر الأكثر تضرراً من إغلاق المعبر طيلة ثلاث سنوات بعد سيطرة التنظيمات الإرهابية المسلحة عليه.
صحيح أنه لم يتم حتى الآن – كتابة هذه السطور- موعد لإعادة فتح المعبر إلا أن ثمة رغبة سورية، وتلهف أردني لفتح المعبر من جديد وهذا ما عبرت عنه التصريحات التي ترددت في الآونة الأخيرة على لسان الفعاليات الاقتصادية والشعبية في كلا البلدين، في وقت تنفس فيه لبنان الصعداء بعد عودة المعبر إلى كنف الدولة السورية على أمل أن تعود الحياة إلى نسغ الصادرات اللبنانية –الزراعية بالدرجة الأولى- والتي يعتبر معبر نصيب بوابتها إلى دول الخليج.
شريان حياة
ليس من المبالغة القول إن يتمتع به معبر نصيب من أهمية إستراتيجية واقتصادية تجعل منه المعبر الأهم من بين كل المعابر البرية في سورية فهو البوابة التي تنتقل عبره البضائع التجارية بين لبنان وسورية والأردن إلى دول الخليج ما يجعله المعبر الإقليمي الأهم والذي يشكل الرئة التي تتنفس منها اقتصاديات الدول الثلاث.
يعتبر معبر نصيب الحدودي أو معبر جابر الحدودي هو أحد المعبرين الحدوديين بين سورية والأردن، يقع بين بلدة نصيب السورية في محافظة درعا وبلدة جابر الأردنية في محافظة المفرق، وهو أكثر المعابر ازدحاماً على الحدود السورية، حيث تنتقل عبره معظم البضائع بين سورية ولبنان وكل من الأردن والخليج.
بدأ العمل بإنشائه عام 1991 على مساحه من الأرض تبلغ 2867 دونم، وقد تم استحداث ما مساحته 280 ألف متر مربع من مباني وساحات وطرق وأنجز عام 1996 وقد بوشر العمل في المركز في 1997 حيث أصبح يستقبل المسافرين القادمين والمغادرين بمركباتهم الخاصة أو بوسائط النقل العمومية واستقبال الشاحنات القادمة والمغادرة من خلال فرع الشحن كما تم إجراء مشاريع توسعه لزيادة قدرة المركز على تقديم خدمات بمستوى أفضل لزوار البلدين وبسبب ازدياد حركة المسافرين عبر المركز الحدودي حيث تم إنشاء مبنى حديث للقادمين وآخر للمغادرين وثالث للشحن مزودة بالخدمات التي يحتاجها المسافر.
بالأرقام
وفضلاً عن الدلالات السياسية والعسكرية والإستراتيجية المهمة التي ينطوي عليها سيطرة الجيش العربي السوري على معبر نصيب وعودته الميمونة إلى كنف الدولة السورية، ثمة دلالات اقتصادية لا تقل أهمية عن سابقاتها، حيث من المنتظر أن يشكل إعادة فتح المعبر، عودة الحياة إلى واحد من أهم شرايين الاقتصاد الوطني ما يعيد لسورية دورها ومكانتها الاقتصادية كصلة وصل بين العديد من دول المنطقة ودول العالم أيضاً، هذا إضافة إلى أن للمعبر دور رئيس في تنشيط الصادرات السورية وتخفيف تكاليف نقلها إلى الدول المجاورة.
وتفيد البيانات الإحصائية المتوفرة أن حجم الصادرات السورية التي تمت عبر معبر نصيب خلال العام 2010 وصل إلى نحو 1,100 مليون طن، بقيمة تصل لأكثر من 35 مليار ليرة سورية، بينما كان حجم الاستيراد عبر المعبر 1,141 مليون طن بقيمة تصل لنحو 47 مليار ليرة سورية، في حين وصل حجم الصادرات خلال العام 2014 ولغاية تاريخ إغلاق المعبر في نهاية شهر آذار من العام 2015 إلى 340 ألف طن بقيمة تصل لأكثر من 27 مليار ليرة سورية، بينما كان حجم الاستيراد 460 ألف طن بقيمة 78 مليار ليرة.
وفي هذا السياق تظهر البيانات الرسمية المتعلقة بالحركة التجارية للمعبر أن السيارات الشاحنة التي غادرت سورية إلى الأردن خلال عام 2010، عدا سيارات الترانزيت، بلغ عددها نحو 4425 سيارة.
تفاؤل وترحيب
سيطرة الجيش السوري على معبر نصيب وإعادته إلى كنف الدولة لاقى ترحيباً كبيراً في الأوساط الاقتصادية والشعبية، التي أعربت عن تفاؤلها بما سيحمله هذا الإنجاز من منافع اقتصادية جمة على الاقتصاد السوري، فما ينجز بالسياسة وفي ميدان المعارك لا بد أن يصرف في ميادين أخرى في مقدمتها الميدان الاقتصادي، وبانتظار ما ستحمله الأيام القادمة والتي من المتوقع أن تشهد إعادة فتح المعبر من جديد، يبدو الجميع جاهزاً لاستثمار إنجازات الميدان وصرفه اقتصادياً.
وبحسب ما ذكره وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور سامر خليل، فإن المعبر “يحظى بأهمية اقتصادية كبيرة للبلدين، فمن خلاله ستكون الصادرات السورية قادرة على الوصول مجدداً إلى أسواق الخليج ومصر بكميات أكبر وكلفة أقل، فضلاً عن إعادة تنشيط حركة تجارة الترانزيت القادمة عبر المرافئ اللبنانية أو مرفأ طرطوس”.
وسيكون استكمال هذا الإنجاز ووضع المعبر في الخدمة، خطوة مهمة للصادرات السورية التي تحملت طيلة الفترة الماضية أعباء وتكاليف إضافية نتيجة التصدير بحراً وجواً، حيث يرى العديد من الاقتصاديين أن عودة المعبر للعمل ستكون له فوائد جمة على المنتجين، لجهة تخفيض تكاليف الشحن واختصار الوقت، وعودة النشاط إلى حركة الترانزيت، كما أنه يعد خطوة مهمة لتصدير المنتجات السورية إلى سوقها الأهم العراق على نحو أسرع وأقل تكلفة.
ويرى الاقتصاديون أن معبر نصيب يعد بوابة العبور إلى دول العالم وتحديداً دول الخليج، فحينما كان المعبر مغلقاً كان الصناعيون والمصدرون مجبرين على المرور عبر طريق بيروت، لكن مع فتح المعبر ستكون هناك خيارات أخرى تسهل عمل المصدرين والأفراد العاديين، ما يسهم في تقليل التكلفة والوقت والجهد على المنتجات السورية والمستوردات أيضاً.
تنشيط المبادلات
ولأن المعبر هو البوابة الرئيسية نحو دول الخليج، تبدو الفرصة مواتية لتنشيط الصادرات الزراعية السورية التي تكبدت خسائر كبيرة نتيجة إغلاق المعبر واتجاهها لاعتماد طرق شحن بديلة أكثر كلفة وأطول وقتاً بحراً وجواً، وفي هذا السياق يعتبر العديد من الاقتصاديين أن إعادة فتح المعبر سيسهم في تحقيق انفراج كبير أمام أزمات تسويق كثير من المنتجات الزراعية لكل من سورية ولبنان والأردن، والمطلوب حسب رأيهم الإسراع بالتنسيق مع الحكومة الأردنية لوضع الترتيبات اللازمة من الجانبين السوري والأردني للعمل على وضع المعبر بالخدمة بأقصر وقت ممكن.
ويضاف إلى ذلك أن إعادة فتح المعبر سيسهم في تسهيل عبور الأفراد والزيارات المؤقتة والدائمة لسورية وبالتالي سيحظى قطاع السياحة بنصيب وافر من الفوائد ما يعني بداية مرحلة التعافي من آثار الحرب وتداعياتها.
تلهف أردني
على الضفة الأخرى ثمة تلهف أدرني لإعادة فتح المعبر من جديد، وسط ترقب بأن يحقق هذا الأمر انتعاشة للاقتصاد الأردني بعد الأزمات التي عصفت به، بسبب توقف تدفق سلعه عبر معبر نصيب الحدودي إلى سورية وبلدان أخرى.
ويراهن الأردن على سورية كثيراً لتنشيط وضعه الاقتصادي وتجاوز العثرات التي تعرض لها في السنوات السبع الأخيرة بسبب إغلاق حدوده مع الجارين سورية والعراق، ما أفقده أسواقاً مهمة.
وبحسب بيانات صادرة عن وزارة الصناعة والتجارة الأردنية، فقد انخفضت صادرات الأردن إلى سورية بنسبة 82% وبلغت 7 ملايين دولار، مقابل نحو 238 مليون دولار عام 2010 قبل اندلاع الأزمة السورية.
وتناقلت العديد من وسائل الإعلام تصريحات عدد من مسؤولي الاقتصاد الأردني رحبوا فيها بسيطرة الجيش العربي السوري على المعبر وحسب تصريحات صحفية لرئيس قطاع الشحن البري في الأردن محمد خير الداوود، فإن فتح المعبر سينعكس إيجاباً على الشاحنات التي تعرضت لخسائر تقرب من 1,4 مليار دولار أميركي، نتيجة إغلاق الحدود مع كل من سورية والعراق، مؤكداً أن أكثر من 17 ألف شاحنة تأثرت بالإغلاق.
عودة الأمان
ووصف عدد من الصناعيين والتجار الأردنيين عودة معبر نصيب إلى العمل من جديد، بأنها “عودة الأمان” بعد ثلاث سنوات من إغلاقه ونقلت صحيفة “الرأي” الأردنية عن خبراء الاقتصاد الأردني قولهم “إن من أبرز القطاعات التي تستعيد أنفاسها بعد أن أرهقها الإغلاق الحدودي، هو القطاع الصناعي الذي ارتفعت عليه كلف التصدير والاستيراد للمواد الخام بمبالغ طائلة، وأن كلف النقل ستنخفض إلى ما يقارب 2000 دولار للحاوية الواحدة إذا ما تم إعادة فتح المعبر، ومن خلال ميناء طرطوس البحري، بدلاً من قناة السويس البحرية، ما سينعكس على تنافسيتها وقدرتها الإنتاجية بالإيجاب وإعادة قدرتها على التوظيف” معتبرين أن ما يقارب 18% من الصادرات الأردنية في القطاع الزراعي، أي ما يقارب 1.1 مليار دينار من حجم الصادرات كانت تتم عبر معبر نصيب قبل الأزمة.
وحسب الصحيفة سيستفيد قطاع الزراعة الأردني من المعبر بتصدير ما يقارب 250 ألف طن من الخضار والفواكه شتاء وصيفاً إلى أوروبا، ويعتبر ذو كلف عالية إذا ما تم نقلها عبر الجو أو عبور طرق بحرية.
يضاف إلى ذلك ترقب الفعاليات الاقتصادية في محافظات الشمال الأردنية وخصوصاً “الرمثا” لفتح المعبر وعودة الحياة لأكثر من أربعة آلاف محل تجاري في الرمثا كانت تعتمد على البضاعة السورية، وكانت ألفا سيارة نقل صغيرة تنتقل إلى سورية يومياً وتعيش من ورائها أكثر من ألفي عائلة.
على أحر من الجمر!!
الدولة العربية الثالثة التي تنتظر “على أحر من الجمر” إعلان إعادة فتح المعبر هي لبنان، الذي تحمل اقتصاده خسائر كبيرة خلال السنوات الثلاث الماضية، فمن جهة، فإن جزءاً كبيراً من صادراته المتجهة نحو الأردن ومصر ودول الخليج توقفت نهائياً، في حين أن الجزء الآخر الذي بقي يحاول الوصول إلى تلك الأسواق، اضطر إلى دفع تكاليف إضافية، فرضها خيار الشحن بحراً أو جواً فضلاً عن أن حركة ترانزيت السلع والبضائع، المستوردة عبر المرافئ اللبنانية والمتجهة نحو الأردن والعراق والخليج، أصابها شلل كامل.
ومع بسط الحكومة السورية لكامل سيطرتها على معبر نصيب الحدودي مع الأردن، عاد الحديث في لبنان عن إمكانية إعادة تصدير المنتجات والبضائع اللبنانية عبر هذا المعبر الذي يعتبر الشريان الحيوي الأساسي لمرور الصادرات اللبنانية تجاه أغلب الدول العربية لا سيما الخليجية منها فضلاً عن أن اعتماد القطاعات التجارية على التصدير الجوي والبحري كلف خزينة الدولة اللبنانية مبالغ كبيرة بسبب تحملها جزءاً من تكلفة نقل الصادرات إلى الدول العربية حيث حرمت أكثر من 70% من الصادرات الزراعية و32% من الصناعات الغذائية، و22% صناعات المركبة من التصدير، وأفقدتها خاصية المنافسة في الأسواق العالمية كون الشحنة التي كانت تكلف ما يقارب 1800 دولار عبر هذا المعبر أصبحت تكلّف أكثر من 8000 دولاراً ناهيك عن الفترة الزمنية الطويلة “عشرة أيام” التي كانت تستغرقها البضاعة اللبنانية للوصول إلى باقي الدول العربية عبر البحر مروراً بمصر للوصول إلى مقصدها وهذا ما أدى إلى تعرض المنتوجات الزراعية ومنتوجات الأجبان والألبان للتلف.
معبر بمليار دولار
ونقلت وسائل إعلامية عن العديد من الاقتصاديين اللبنانيين قولهم إن إقفال معبر نصيب قبل حوالي ثلاث سنوات أوجد مشكلة كبيرة للصادرات اللبنانية وللتجار اللبنانيين الذين لجؤوا إلى التصدير البحري ذي الكلفة العالية ما اضطر الحكومة إلى دعم عدد من القطاعات التجارية ودفع المبالغ الكبيرة لهم.
وذكرت وسائل إعلام لبنانية أن مجموع ما يمكن للبنانَ أن يصدره عبر “نصيب” يصل إلى نحو 800 مليون دولار، وهو ما يوازي 30% من مجمل الصادرات اللبنانية مشيرة إلى أن أهمية المعبر تأتي من كونه يشكّل ممرّاً لأكثر من 550 ألف طن من المنتجات الزراعية اللبنانية تصل قيمتها إلى 300 مليون دولار، ولمنتجات صناعية تقدر قيمتها بأكثر من 500 مليون دولار.
وحسب تصريحات صحفية أوردتها صحيفة “الأخبار” اللبنانية يؤكد رئيس اتحاد شركات الشحن الدولي صالح كيشور، أن “سيارات الشحن الترانزيت التي كانت تعبر المعبر قبل الأزمة وصل عددها يومياً وبالاتجاهين إلى نحو 600 سيارة”، مقدراً قيمة “المبادلات التجارية التي كانت تجري من خلال هذا المعبر باتجاه الأردن والخليج بنحو 3 إلى 4 ملايين دولار يومياً”، أي ما بين 1,1 إلى 1,5 مليار دولار سنوياً، وتالياً كانت هناك عائدات بملايين الدولارات تذهب لخزينة الدول الثلاث، و”هذا يبدو حافزاً للتفكير جدياً في إعادة فتح المعبر”.
Discussion about this post