بقلم: محمد النجم
يمكننا القول.. إن الدورة 60 لمعرض دمشق الدولي تحتفظ بأهمية خاصة، لاسيما مع اقتراب نهاية الحرب على سورية، ليس بمفهومها العسكري وحسب بل وبتداعياتها الاقتصادية أيضاً، فإرهاصات إعادة البناء والإعمار تبدو أكثر زخماً في العام 2018 مما كانت عليه في العام الفائت، وهو ما ستكشف عنه أجنحة الدول الصديقة في المعرض، التي وقفت إلى جانب سورية وفي مقدمتها روسيا والصين وإيران، وهي دول تستحق أن تعطى الأفضلية في المرحلة المقبلة لأنها تقدمت ولمسافات “ضوئية” بمواقفها خلال سنوات الحرب عن دول عربية كثيرة، تمايزت في مواقفها من سورية بين العداوة والحياد والنأي بالنفس، والتحفظ أو التعاطف وهو أضعف المواقف.
لا مانع من التذكير أن كلفة إعادة الإعمار ربما تتجاوز 500 مليار دولار، هذا من الناحية العمرانية، إلا أن الرقم قد يفوق ذلك بكثير إذا ما تطرقنا إلى تكلفة الخسارة التي تكبدتها سورية جراء هجرة الكفاءات العلمية واليد العاملة المؤهلة والخبيرة، علماً أن كل فرد سوري أكاديمي (خريج) يكلف الدولة السورية ملايين الليرات السورية خلال مراحل دراسته، لتكون المخرجات (صفر) بعد مغادرته البلاد.. والآن وبعد أكثر من سبع سنوات فقدنا نخبة مهمة من أصحاب الخبرة والكفاءات العلمية بسبب الحرب التي حرضت عليها ومولتها دول عربية خليجية، وسكتت عنها دول أخرى لم تقصر سورية يوماً في مساعدتها ونجدتها.
بسبب مواقف الإخوة “الأعداء” عصفت بالمواطن السوري أزمات متلاحقة في الوقود والخبز والدواء والكهرباء والماء، وتكبدت الدولة السورية عناء الوقوف في وجه الحصار الظالم من الشقيق قبل العدو، وكان لذلك كلفة كبيرة ومضنية لا ضير من أن نشير إليها، ليتذكر الأشقاء الذين روتهم سورية من مياهها وأطعمتهم من قمحها ودافعت عنهم بجيشها، أنهم ألقوا بشقيقتهم في “غيابات الجب” -كما فعل إخوة يوسف عليه السلام- وتركوها وحيدة في ساحات المواجهة.
بسبب مضاربات “الأشقاء” انخفضت قيمة الليرة السورية إلى مستويات قياسية، ومع انخفاضها تراجعت القوة الشرائية بشكل كبير، وبدأت البلاد تئن تحت وطأة الحصار وتجار الأزمات حيناً والتقنين والتقشف حيناً آخر، ولنتذكر أن كيلو السكر – على سبيل المثال- بيع بـ5000 آلاف ليرة سورية (وربما أكثر) بسبب حربٍ أشعل فتيلها هؤلاء الأشقاء، وهل ننسى الكهرباء التي غابت عن بيوت السوريين لعشرين ساعة في اليوم وربما أكثر؟ بعد أن خسرت الدولة السورية معظم حقول النفط والغاز لعدة سنوات، وبعد أن استهدفت يد الإرهاب محطات توليد الطاقة وبشكل ممنهج وعلى مرأى الجميع، ناهيك عن انهيار القطاع الزراعي في كثير من المناطق، ونتيجة لذلك انخفض إنتاج سورية من القمح إلى أقل من مليون طن سنوياً وهي التي كانت تنتج ما يزيد عن 3 ملايين طن سنوياً، فضلاً عن نقص كبير في السلع الزراعية والغذائية.
بسبب مواقف هؤلاء وصمت أشقاء آخرين خرجت آلاف المعامل والمصانع السورية عن الخدمة بعد سرقتها وتخريبها وتدميرها، لاسيما في حلب والغوطة الشرقية، الأمر الذي انعكس نقصاً في السلع الضرورية (الأدوية، النسيج) وارتفاعاً كبيراً في أسعار المتوفر منها، ليس هذا فحسب؛ بل هاجرت رؤوس الأموال السورية ومعها أعداد كبيرة من رجال الأعمال والصناعيين والحرفيين، لتتلقفها دول عربية وأجنبية وتنعش بها اقتصاداتها وتزيد من قوة عملها الخبيرة والمؤهلة كما فعلت تركيا وألمانيا ودول عربية وغربية كثيرة، الأمر الذي أثخن جراح الاقتصاد السوري وجعل الخسارة مضاعفة ومستدامة.
نسوق هذا الكلام لنقول: على كثير من الحكومات العربية أن تكفر عن ذنبها بحق سورية، ليس فقط بحجز مساحة في معرض دمشق الدولي أو أية معارض أخرى، وليس فقط بمشروع استثماري أو عمراني أو سياحي هنا أو هناك، المطلوب أكثر من ذلك بكثير، وخاصة من دول الخليج التي أغدقت مئات المليارات على ترامب لينتعش الاقتصاد الأمريكي، ويجب على المؤسسات الحقوقية والقضائية السورية أن تمارس دورها وتحرك دعاوى في المحافل والمنظمات والمحاكم الدولية ضد كل من ساهم بالحرب على سورية، للمطالبة بدفع تعويضات للدولة السورية، وهو أمر تكفله الأعراف والمواثيق الدولية، وقبل كل شيء عليهم أن يقدموا الاعتذار لسورية..
كلنا أمل أن يكون معرض دمشق الدولي سلمّاً مناسباً لمن يريد أن ينزل من أعلى الشجرة، شرط أن يدفعوا الكفارة، فما فعلوه بسورية ليس قليلاً..
وهي اعتادت أن تقول لأشقائها: “لا تثريب عليكم اليوم”.
Discussion about this post