العالم الاقتصادي- رصد
فتحت مصر نافذة جديدة أمام الاستثمارات الأجنبية ودشنت مدينة متكاملة لصناعة الدواء، تواكبا مع فورة صفقات الاستحواذ التي تنفذها بعض الشركات العربية في قطاع الدواء بمصر الذي بات مقصدا استثماريا في بلد قوته الاستهلاكية تتجاوز مئة مليون نسمة ويطمح لسد فجوة استيراد الدواء.
وضعت مدينة الدواء “جيبتو فارما” التي افتتحها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قبل أيام القاهرة مجددا على خارطة الاستثمارات الأجنبية في قطاع الدواء وسط مساع لأن تصبح مركزا إقليميا لهذه الصناعة الإ ستراتيجية.
وتأمل مصر عبر مشروعها الجديد في تأمين عمليات إتاحة العلاج للمواطنين، ومواجهة الممارسات الاحتكارية التي تشهدها سوق الدواء، وأفضت إلى انفلات زمام التسعير العادل في السوق، وتطمح عبر هذه الخطوة لامتلاك القدرة التكنولوجية والصناعية في مجال صناعة الدواء.
وتقع المدينة الجديدة في منطقة الخانكة بنطاق محافظة القليوبية المتاخمة للقاهرة وتبلغ مساحتها 182 ألف متر، ومخطط تنفيذها على مرحلتين، الأولى بمساحة 120 ألف متر وتضم 15 خط إنتاج، ومخازن آمنة تشغل مساحة 7 آلاف متر بارتفاع 15 مترا.
أما المرحلة الثانية من المشروع فتقع على مساحة 60 ألف متر، وهي مخصصة لمصانع إنتاج الأدوية المعقدة، مثل الأورام والهرمونات.
وتفتح المدينة نوافذ غير نمطية أمام رؤوس الأموال الباحثة عن مقاصد استثمارية بغرض التصنيع من أجل إعادة التصدير، وتسوق مصر موقعها الجغرافي لجذب تلك الاستثمارات بوصفها أقرب نقطة للسوق الأفريقية.
وتشهد سوق الدواء بمصر عمليات اندماج واستحواذ من جانب بعض الاستثمارات العربية، بقيادة مجموعة “الحكمة” الأردنية التي أعلنت مطلع العام الحالي عن نيتها للاستحواذ على شركة “غلاكسو سميثكلاين” البريطانية بهدف التوسع في السوقين المصرية والتونسية.
وتزامن مع الإعلان عن “جيبتو فارما” توقيع شركة “بوش هيلث” الكندية اتفاقية نهائية لبيع حصتها بالكامل في شركة “آمون” للأدوية المصرية لشركة أبوظبي القابضة، مقابل 740 مليون دولار.
وتعزز الصفقة من زيادة تدفق الاستثمارات الإماراتية لسوق الدواء بمصر، بوصف “آمون” واحدة من أكبر شركات الأدوية في الصناعة والتسويق والتوزيع للأدوية البشرية والبيطرية.
وتعد الصفقة ضمن منصة الاستثمار المشترك التي أطلقت قبل عام ونصف العام بين مصر والإمارات بقيمة 20 مليار دولار لتعزيز حركة الاستثمارات في البلدين.
وتوسع الصفقة الجديدة من نطاق الاستثمارات الإماراتية بقطاع الدواء، وفق خطة تركز على تطوير سلسلة قيمة ومتكاملة في قطاع الصحة والدواء عبر استثمارات إستراتيجية ومشاريع جديدة في المنطقة العربية وخارجها.
وتضمن صفقة “آمون” تعزيز مساعي أبوظبي القابضة للوصول إلى الأدوية الحيوية، بالإضافة إلى استثماراتها في تصنيع الأدوية داخل الإمارات والهند.
وترصد شركات الدواء والرعاية الصحية العربية حزما مالية ضخمة لدخول السوق المصرية، تزامنا مع تطبيق القاهرة لمنظومة جديدة للتأمين الصحي، من خلالها تقدم الرعاية الصحية والدواء لجميع المواطنين بالمظلة الجديدة.
ووفق الرؤية التي يتم تطبيقها تدريجيا تضمن شركات الدواء قوة شرائية ضخمة داخل المنظومة الجديدة التي تقدم الرعاية الصحية والأدوية معا.
وبهذا النسق تعيد “جيبو فارما” إلى جانب نظام التأمين الصحي الجديد رسم خارطة الدواء التي تتسابق إليها الاستثمارات الأجنبية.
وقالت مؤسسة التمويل الدولية، وهي الذراع الاستثمارية للبنك الدولي، إن قطاع الدواء والرعاية الصحية المصري يحتاجان إلى استثمارات بقيمة 60 مليار دولار بحلول عام 2050 لتلبية الطلب المتزايد على الخدمات الطبية.
ورغم مزاحمة الاستثمارات العربية للشركات المصرية في صناعة الدواء، إلا أن موقف الشركات الأميركية لا يزال قويا، بل ويظل خارج نطاق هذه المنافسة.
وقالت الدكتورة داليا رضا الخبير في اقتصاديات الصحة إن الشركات الأميركية بقيادة “فايزر” لديها حقوق الملكية الفكرية للأدوية التي تنتجها ومن هنا تكمن قوتها.
وأضافت لـ”العرب” أن غالبية الشركات المنتجة للدواء في السوق المصرية تستخدم نظام تراخيص الإنتاج من شركات عالمية، فضلا عن اتجاه عدد كبير منها لإنتاج الأدوية التي سقطت في الملك العام.
وتقوم الشركات الكبرى بالاحتفاظ بحقوق الملكية الفكرية لإنتاج الدواء لعدد من السنوات، بعدها تسقط في الملك العام، ويٌسمح للشركات الأخرى بإعادة إنتاج هذه الأدوية ويطلق على عملية التصنيع اصطلاحا الأدوية “البديلة” أو “الجنيسة”.
ويصل عدد مصانع الدواء في مصر نحو 152 مصنعا، بالإضافة إلى 700 خط إنتاج، ونحو 17 ألف مستحضر، بينما يصل عدد الأدوية المتداولة في السوق نحو6300 دواء متداول.
وتنتج مصر 88 في المئة من احتياجاتها المحلية وتسعى لسد فجوتها الاستهلاكية البالغة 12 في المئة من الأدوية التي يحتاجها السوق، خاصة أنها أدوية يتم استيرادها بالكامل لأنها شديدة التعقيد، مثل أدوية مرض السرطان.
حاتم البدوي: “فارما” تسهم في حل أزمة نقص الدواء التي تعاني منها الأسواق حاتم البدوي: “فارما” تسهم في حل أزمة نقص الدواء التي تعاني منها الأسواق
وأكد الدكتور حاتم البدوي نائب رئيس الشعبة العامة لأصحاب الصيدليات باتحاد الغرف التجارية بمصر، أن مدينة الدواء الجديدة تسهم بشكل فعال في حل أزمة نقص الأدوية والتي تعاني منها السوق المصرية منذ ست سنوات.
وأوضح لـ”العرب” أن الشركات العالمية كانت تمارس ضغوطا على السوق لرفع أسعار الدواء، وعندما رفضت الحكومة تلك الضغوط في البداية توقفت عن تصنيع الدواء بدعوى ارتفاع التكلفة، ثم نجحت سياساتها وقامت برفع أسعار الأدوية.
وتوقع خبراء في صناعة الدواء أن تعيد المدينة الجديدة التوازن لسوق الدواء، فضلا عن مساهمتها في إتاحة الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة والسرطان التي اختفت من السوق الرسمية وبات تداولها يتم في الأسواق الموازية بأسعار مرتفعة.
وأدى شح تلك العقاقير إلى انتشار عمليات غش الدواء، لأن أسعارها مرتفعة جدا وتثير شهية تجار السوق الموازية.
وتزيد جاذبية القاهرة الاستثمارية أمام شركات الدواء الأجنبية نتائج بحث الدخل والأنفاق للمصريين، وكشفت عن توجيه الأسرة المصرية لنحو 9.9 في المئة إجمالي مداخيلها على الدواء والرعاية الصحية، ما يعادل نحو 316.47 دولار سنوياً.
ويصل عدد الأسر المصرية نحو 23.45 مليون أسرة، الأمر الذي يزيد حجم الإنفاق الكلي سنويا على الدواء والرعاية الصحية إلى نحو 7.5 مليار دولار.
وتعيد مدينة الدواء الجديدة الثقة في فعالية الدواء المنتج محليا، بعد انتشار حملات تشكيك حول مدى فعاليتها، ما دفع شرائح كبيرة من أصحاب الأمراض المزمنة للبحث عن الأدوية المستوردة.
وتستهدف مدينة الدواء إنتاج المحاليل الطبية وأدوية الأورام والعديد من المضادات الحيوية، وهي أنواع أساسية للمرضى، ويساعد توافرها على انضباط عمليات تسعير الدواء في السوق المحلية.
وأشار حسام عمران العضو المنتدب لشركة “رويال فارما انترناشيونال” إلى أن مدينة الدواء المصرية تعزز من توافر الأدوية في السوق المحلية، لاسيما التي تعاني نقصا مثل أدوية الهرمونات والمناعة والأورام، وسوف تقضي على الاحتكار من جانب بعض الشركات لأصناف محددة.
– العرب-
Discussion about this post