العالم الاقتصادي- وكالات
أرسلت الحكومة الهندية رسالة تعكس نفوذها في سوق الطاقة العالمية، وتلقي الضوء على التغيرات الحادثة في خرائطها، عندما طلبت من شركات التكرير في الشهر الماضي تسريع تنويع مصادرها وخفض الاعتماد على الشرق الأوسط بعد أيام من إعلان مجموعة «أوبك+» في اجتماعها قبل الأخير أنها ستُبقي على تخفيضات الإنتاج.
وكانت تلك خطوة يجري الإعداد لها منذ أعوام، وعززتها تصريحات متكررة من وزير النفط الهندي دارمندرا برادان، الذي وصف مشتريات النفط في 2015 بأنها «سلاح» لبلده.
وعندما مددت منظمة البلدان المُصدِّرة للنفط وحلفاؤها في مجموعة «أوبك+» تخفيضات الإنتاج حتى نيسان أخرجت الهند هذا السلاح من جعبتها.
وقالت مصادر أن شركات التكرير الهندية تعتزم خفض الواردات من السعودية بنحو الربع في مايو/أيار، لتتراجع إلى 10.8 مليون برميل من متوسط 14.7-14.8 مليون برميل شهرياً.
وقال وكيل وزارة النفط الهندية تارون كابور أن الهند طلبت من شركات التكرير الحكومية التفاوض على نحو مشترك مع منتجي النفط للتوصل إلى اتفاقات أفضل، لكنه امتنع عن التعقيب على خطط خفض الواردات السعودية.
وأضاف «الهند سوق كبيرة لذلك يتعين على البائعين مراعاة الطلب في بلدنا وكذلك الحفاظ على سلامة العلاقة طويلة الأمد».
وامتنعت شركة «أرامكو» ووزارة الطاقة السعودية عن التعليق.
ضخامة سوقها وآفاق نموها تعزز قوتها التفاوضية
وقال برادان، الذي يرى أسعار النفط المرتفعة تهديدا للتعافي الاقتصادي في الهند. وارتفعت فاتورة واردات النفط الهندية بشدة بينما بلغت أسعار الوقود، التي تضخمت بسبب الضرائب التي فرضتها الحكومة العام الماضي، مستويات قياسية.
وتتوقع «وكالة الطاقة الدولية» أن يرتفع استهلاك الهند إلى مثليه وأن تصل فاتورة وارداتها من النفط إلى نحو ثلاثة أمثالها مقارنة بمستويات 2019 إلى أكثر من 250 مليار دولار بحلول 2040.
وذكر مسؤول في وزارة النفط، طلب عدم ذكر هويته، أن تخفيضات «أوبك+» خلقت حالة من الضبابية وصعَّبت على شركات التكرير التخطيط للمشتريات والتحوط من مخاطر السعر. كما أنها خلقت فرصا أيضا لسد الفجوة من جانب شركات في الأمريكتين وافريقيا وروسيا.
وإذا نجحت الهند، فسوف تضرب مثالاً لبقية الدول. إذ أنه في الوقت الذي يرى فيه المشترون المزيد من الخيارات بأسعار في المتناول، وتصبح الطاقة المتجددة أكثر شيوعاً، فإن نفوذ المنتجين الكبار مثل السعودية قد يعتريه الضعف مما يغير الأوضاع الجيوسياسية ومسارات التجارة.
مسعى التنويع
زاد الطلب على النفط في الهند 25 في المئة في الأعوام السبعة الماضية، وهو ما يتجاوز طلب بقية المشترين الكبار. وتخطى البلد اليابان كثالث أكبر مستورد ومستهلك للنفط في العالم.
وخفضت الهند بالفعل اعتمادها على الشرق الأوسط من أكثر من 64 في المئة من الواردات في 2016 إلى أقل من 60 في المئة في 2019.
لكن هذا الوضع تغير في 2020، عندما قوضت جائحة كوفيد-19 الطلب على الوقود، وأجبرت شركات التكرير الهندية على الالتزام بمشتريات نفط من الشرق الأوسط بموجب عقود محددة المدة واستبعاد المشتريات الفورية.
وقال المسؤول في وزارة النفط أن شركات التكرير تبحث الآن عن مُورِّدين جدد مع تحول الهند مجدداً في أعقاب دعوة برادان إلى تسريع التنوع.
وفي الأعوام الفائتة، تفاوضت شركات التكرير على نحو مشترك لإبرام صفقات نفط مع إيران الخاضعة لعقوبات، والتي تعرض خصومات في السعر وشحناً مجانياً، وتعتزم الآن أن تفعل المثل مع منتجين آخرين.
ومنذ بدء الخلاف مع السعودية، عقد برادان اجتماعات مع سلطان أحمد الجابر، وزير الدولة الإماراتي والرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك» ووزيرة الطاقة الأمريكية جنيفر غرانهولم لتعزيز شراكات الطاقة.
وقال في الآونة الأخيرة أن البلدان الافريقية قد تلعب دوراً محورياً في تنويع النفط في الهند. ويتطلع البلد إلى توقيع اتفاق توريد نفط طويل الأمد مع غيانا، فضلاً عن دراسة خيارات لزيادة الواردات من روسيا حسبما ذكر مصدر في وزارة النفط.
وقال مصدر منفصل في الحكومة الهندية أن الحكومة تتوقع تخفيف العقوبات المفروضة على إيران في الشهور الثلاثة أو الأربعة المقبلة، مما يوفر بديلاً محتملاً أرخص ثمناً للنفط السعودي.
واتفق اثنان من المتعاملين على أن إيران لديها فرصة جيدة للاستفادة من التحول في الهند، وكذلك فنزويلا والكويت والولايات المتحدة. وذكر مصدر في شركة تكرير هندية أن الولايات المتحدة وافريقيا ومزيج «سي.بي.سي» النفطي القازاخستاني والنفط الروسي لديهم فرصة كذلك على الأرجح.
لا بديل عن الشرق الأوسط
وعلى الرغم من أن المستوردين في الهند سيشترون سريعاً أحجاماً متزايدة من درجات الخام العالمية المُسعَّرة عند مستويات مغرية، فإن معظم المحللين يتوقعون أن يظل الشرق الأوسط الموُرِّد الرئيسي للنفط إلى الهند لأسباب أهمها تكاليف الشحن الأقل.
وتتعاون وزارة النفط الهندية مع شركات التكرير لوضع إطار عمل لبنود التفاوض المشترك مع الموردين.
وقال كابور «المشترون لديهم هذه الأيام خيارات في السوق، وهذه الخيارات ستتضاعف مستقبلاً… هناك الكثير من الشركات في الهند التي تقوم بالشراء وحدها، لذا عندما تتجمع هذه الشركات فإنها تصبح تكتلاً كبيراً للغاية».
واتفقت السعودية و»أوبك+» أمس الأول بعد مناقشات مع مسؤولين أمريكيين على تخفيف القيود على إنتاج النفط بدءا من مايو/أيار.
وأقر وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان بأن تخفيضات الإنتاج تسببت في مواجهة « أرامكو بعض الصعوبات مع بعض شركائها».
ويقول محللون أن الخلاف النفطي ليس من الضروري أن يمتد إلى علاقات إستراتيجية أوسع نطاقا في بقية القطاعات، لا سيما الدفاع.
وقالت «أوراسيا كونسَلتِنغ» للاستشارات في مذكرة «حتى الآونة الأخيرة، فإن ميزان القوى يميل صوب السعودية، لكن الهند باتت على نحو متزايد تستغل الوصول إلى سوقها وتنوع الخيارات لفرض ضغوط على السعودية…بالنسبة للسعودية، فإن خسارة حصة سوقية في بيئة عالمية تشهد فيها معظم الاقتصادات المتقدمة بالفعل انخفاضاً في طلبها على النفط بسبب تطبيق سياسات أقل تلويثاً للبيئة، ستكون ضربة».
وأكد الأمير عبد العزيز أن «أرامكو» أبقت على إمدادات نفط عادية في أبريل/نيسان إلى شركات التكرير الهندية، بينما خفضتها لمشترين آخرين، في مؤشر على أن القلق ينتاب المملكة بشأن بحث الهند عن مصادر جديدة.
والسعودية رابع أكبر شريك تجاري للهند، وتستورد العديد من المنتجات ومنها الأغذية. وتدرس «أرامكو» شراء حصة 20 في المئة في أنشطة النفط والكيميائيات التابعة لـ»ريلايَنس إندستريز». كما أنها جزء من مشروع مشترك لبناء مصفاة بطاقة 1.2 مليون برميل يومياً في الهند.
لكن أميتيندو باليت، الباحث لدى الجامعة الوطنية في سنغافورة، قال أنه سيكون من الصعب على السعودية العثور على مشتر بديل مستقر إذا وصلت الهند خفض المشتريات لفترة طويلة. وأضاف «هذه العلاقة الثنائية لا يجب أن تتأثر بسبب أي قرارات تخص سلعة أولية واحدة. لكن في ظل فائض عالمي، فإن المشترين في السوق لديهم قدر كبير من قوة التفاوض والمصادر».
– رويترز-
Discussion about this post