العالم الاقتصادي- رصد
يسرد كتاب «الرأسمالية وأنماط الهيمنة الجديدة» لمؤلفه محمد فرج سيرة منظومة الفكر الاقتصادي للرأسمالية في إحكامها السيطرة على وعي الناس إذ تعمل على تفتيت الأزمات العالمية إلى إشكاليات تقنية بسيطة. فتعطي السلعة قيمة استعمالية وتبادلية درجة التمجيد.
ويشير المؤلف إلى أنه توسعت السلع وظيفياً بمنحى عمودي في كثير من الأحيان لجني الأرباح وبدعم آليات التسويق تمكنت من غزو رغبات الناس وقلقهم.
وهذا المنحى العمودي يتجلى في فقدان الأشياء قيمتها بعد الاستعمال الأوَّل.. ويتضح في انكسار سحرها بعد التملك الذاتي الذي تعمَّق كثيراً في الوعي إذ تعمَّق بتأثير المنظومة الاقتصادية الرأسمالية غير القادرة على الاستمرار لولاه..
ولو عجزت الرأسمالية عن خلق هذا الوعي لولىَّ عصرها منذ زمن. ولكن هذا العامل شكَّل أساساً لاستمرارها حتى اللحظة.
ويوضح فرج أنه توسَّع استعراض السلع ليتوسَّط علاقات الأفراد وتتملَّك السلعة البشرية بأكملها حياة الناس. وتمتد العلاقات السلعية لتشمل كل جوانب الحياة وصولاً إلى المسرح والفكر والثقافة ومن ثم تصبح المعلومة تباع وتشترى وتروج وتعرض..
وتستهلك كالخبز تماماً وكذا تفرد الصحافة أخبارها كالسلع وفقاً للمزاج العام ولاحتمالات انتشار الخبر كما يقسم الزمن إلى وحدات قابلة للبيع: وقت لتناول الشاي، وقت النزهة وقت الراحة الأسبوعية.. ويعبِّر النظام عن نفسه وزمنه باقتران خطي ثابت.
وتصبح الجغرافيا وكذلك التاريخ وحدات إضافية للبيع والشراء.. وتنتشر المؤسَّسات السياحية لبيعها ليتمكَّن الناس من شراء أماكن تصلح للنظر إليها ولا تصلح للعيش فيها: من هنا مر جنكيز خان هنا نصب الرومان قلاعهم.
يرى المؤلف أن الفرد في ظل الرأسمالية لا يشعر بنفسه إلا خارج عمله وحين يعمل لا يشعر بأنه في مكانه ويعد وقت العمل خارج وقت الحياة ومن هنا جاءت الرأسمالية لتقول: (أَحِب ما تعمل. ستعمل ما تحب).
وذاك كدعوة صريحة للانفصام والاحتمال الملطف.. ويضيف فرج: «إنَّ الاستعراض الذي تقدمه الرأسمالية اليوم قد شيَّأ الوعي إلى مدى غير مسبوق» وعن دور الرأسمالية في استعمار الشعوب يقول: «اتبعت الدول الصناعية الكبرى التوريط المالي كإحدى أهم السياسات للسيطرة على دول الأطراف.
وهي بالمناسبة الدول التي تنعم بالثروات الطبيعية والموارد الأولية في الصناعة وهذا التوريط المالي هو البديل الموضوعي للاستعمار المباشر والاستعمار الاستيطاني.
وبذا يصير الأداة الأنعم والأسهل للتحكم في مصائر دول الأطراف من جهة وتجريدها من القرار السياسي المستقل والاقتصادي كذلك..».
ثم يلفت المؤلف إلى دور الهيمنة الجديدة للرأسمالية باستخدامها الذراع الثقافية. إذ شهدت دول العالم الثالث ظاهرة المنظمات – غير الحكومية المموَّلة من جهات أميركية وأوروبية تحديداً في مجال حقوق الإنسان والمشاركة السياسية والتمكين الديمقراطي وغيرها من العناوين البراقة.
ويأتي هذا في سياق تجزئة الصراع الأساسي إلى صراعات عدة كل منها بمثابة مشكلة قائمة بذاتها تعمل على حلها مجموعة من الاختصاصيين ولها مجموعة من المنظمات الخاصة التي تتحوَّل إلى مموِّل أساسي للعديد من المنظمات المحلية وشمل ذلك العديد من الفئات السياسية التي كانت تتحرك بمنطق مختلف تماماً. ويتساءل المؤلف في تشريحه لهذه القضية: هل يمكن لنا أن نكون مدنيين دون أن نكون مصنعين؟ وهل يمكن لأي نظام قادم والتصنيع غير مدرج على أجندته أن يكون نظاماً مدنياً؟
وهل يمكن لمدنية السلطة ومدنية المجتمع أن يفترقا؟ هل المجتمع المدني هو مجتمع المبادلات التجارية الحرة أم مجتمع العدالة والتوزيع العادل للثروة ومجتمع الضمانات الاجتماعية؟
– البيان-
Discussion about this post