العالم الاقتصادي – متابعات
من المؤكد أنه سيكون شتاءً شديد البرودة في ألمانيا، السبب ليس الاحتباس الحراري وحده، وارتفاع درجات الحرارة في الصيف إلى نسب غير مسبوقة، ثم انخفاضها بالمقابل إلى درجات وصلت قبل عامين في ألمانيا إلى نحو 20 درجة تحت الصفر، ولكن ماذا سيفعل الألمان بعد أن بدأت الأخبار تنتشر عن نفاد الحطب من الأسواق؟
المخاوف تتعاظم من أن تتعطل الشبكة الكهربائية في المستقبل المنظور بعد قرار روسيا وقف إمدادات الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب نورد ستريم 1. ومع تلك الأزمة تواجه ألمانيا أزمة أخرى مستجدة، حيث ذكرت وكالة رويترز أن الألمان قد يثقلون كاهل شبكة الكهرباء عندما يتحولون إلى سخانات كهربائية غير فعالة في محاولة لتجنب نقص الغاز هذا الشتاء، وهو ما حذرت منه المرافق في مقال نُشر قبل أيام، قال فيه المدير الإداري للجمعية الألمانية لمرافق الطاقة والمياه لصحيفة “هاندلسبلات” اليومية إن المستهلكين قد يواجهون فواتير طاقة أعلى إذا لم يستخدموا تلك الأجهزة باعتدال.
ويستخدم الغاز في ألمانيا لتدفئة المنازل بنسبة تتجاوز 50 في المئة، بينما انخفض اعتمادها في يونيو الماضي على واردات الغاز الروسي حتى نسبة 35 في المئة بمقابل 55 في المئة قبل العقوبات المفروضة على روسيا.
ونقل موقع “أويل برايس” عن مديرة الجمعية كيرستين أندريا قولها إنه عندما تختار العديد من الأسر تشغيل مدافئ المروحة في جزء ما من المدينة في نفس الوقت في ليلة شتاء باردة، فإن ذلك يمكن أن يثقل كاهل شبكات الكهرباء. إلا أنها أضافت أنها مع ذلك تتفهم مخاوف الناس من البيوت الباردة، لكن قد تأتي النتائج عكسية.
وتسعى ألمانيا، إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، لدعم المنازل والصناعات المثقلة بالارتفاع الإضافي في أسعار الطاقة بعد أن أوقفت روسيا الإمدادات عبر خط نورد ستريم 1. لكن لا يمكن لأوروبا بغض النظر عمّا تفعله “طباعة” الغاز الطبيعي أو السلع.
ويقول شريف سوكي رئيس مجلس الإدارة والمؤسس المشارك لشركة “تيلوريان” لوكالة بلومبيرغ إن المشترين الأوروبيين سيدفعون في النهاية ما يعادل 120 إلى 150 دولارا للبرميل مقابل الطاقة بغض النظر عن المصدر ولفترة طويلة.
وعبّر سوكي عن توقّعه أن تعاني أوروبا من نقص في إمدادات الغاز الطبيعي هذا الشتاء وخلال فصول الشتاء العديدة المقبلة، ويضيف أن “الأمر سيكون فظيعا على المدى القصير. ولكني أعتقد أنه إذا فعل الجميع الشيء الصحيح، سنجد أن جميع أسعار الطاقة ستتعادل بمرور الوقت”.
العملاق الاقتصادي يتقشف
الأسعار المرتفعة قد تؤدي إلى تدمير الطلب، وفقاً لسوكي الذي يبيّن افتقار أوروبا إلى الموارد، قائلاً “نفتقر إلى مصادر الطاقة بشكل عام. لذلك ستجد في مرحلة ما أن النفط والفحم والغاز ومصادر الطاقة المتجددة ستستقر حول مستوى معين وأشك في أن السعر سيتراوح ما بين 120 إلى 150 دولارا للبرميل”. وما لم يُقل لأسباب واضحة، هو أن عدم مواجهة ذلك بالحلول الصائبة سوف يعني تجمّد الآلاف من الأشخاص حتى الموت.
وتعهدت الحكومة الألمانية بأن يكون المستخدمون الصناعيون أول من يُزوّد في حالة حدوث نقص، وأن الأسر ستعفى من أي قطع في الموارد. ولكن، يبقى أن نرى كيف سيفشل أصحاب النفوذ السياسي والمالي في تحقيق معاملة تفضيلية لملايين من المتقاعدين الألمان.
أما رئيس وكالة الشبكة الفيدرالية الألمانية فقد وضح في مقابلة أجريت معه نشرتها صحيفة “دير تاغز شبيغل” اليومية أن انقطاع التيار الكهربائي المحلي قد ينتج عن ذروة استخدام المدافئ الكهربائية، وأضاف كلاوس مولر أنه حتى في ظل أسعار الغاز “المرتفعة للغاية”، فإن المدافئ الكهربائية ستكلف المستخدمين أكثر من التدفئة المركزية القائمة على الغاز، وهي الشكل الأكثر شيوعا للتدفئة السكنية في البلاد.
واشترى الألمان 600 ألف جهاز تسخين كهربائي خلال النصف الأول من السنة الحالية، أي بزيادة تقدّر بحوالي 35 في المئة عن سنة 2021، وفقا لبيانات باحث السوق “جي.إف.كاي”. ومن المرجح أن يصل العدد النهائي إلى الملايين بعد الاضطرابات التي شهدتها سوق الطاقة الألمانية خلال الأشهر الأخيرة.
وكانت ألمانيا قد اتخذت في الأسابيع القليلة الماضية إجراءات تقشف لتوفير استهلاك الكهرباء، فأطفأت السلطات أضواء المباني العامة والتماثيل والنصب التذكارية واللوحات، ومن المقرر أن يستمر الإطفاء اليومي في الفترة بين الساعة العاشرة مساء والسادسة صباحاً، وتقتصر الإضاءة على أعمدة الإنارة في الشوارع.
وكانت الحكومة الألمانية قد وافقت على قانون يقيّد تدفئة المباني العامة ويحظر اللوحات الإعلانية المضيئة، وقال وزير الاقتصاد روبرت هابيك إنّ هذه الإجراءات أساسية لأمن الطاقة في ألمانيا، مضيفاً “نريد أن نحرّر أنفسنا في أسرع وقت ممكن من واردات الطاقة الروسية”.
كما أعلنت وزارة الاقتصاد الألمانية في الثاني عشر من أغسطس الماضي خفض التدفئة في المباني العامة كلّها هذا الشتاء، على ألا تتخطّى الحرارة 19 درجة مئوية.
المواطنون الألمان يرقبون القرارات المتفاوتة التي تصدر عن الحكومة، وتلك التي تعلنها الشركات، كما حين أن أعلنت شركة «تريدينغ هاب يوروب»، وهي شركة محاصة لمشغلي شبكات نقل الغاز في ألمانيا منتصف أغسطس الماضي في مدينة راتينغن أن رسوم الدولة الإضافية للغاز ستبلغ 2.4 سنت لكل كيلووات / ساعة. يأتي هذا في إطار محاولة الدولة دعم المستوردين المتضررين من التكاليف الإضافية بسبب تراجع إمدادات الغاز الروسي. وستدخل الرسوم الإضافية حيز التنفيذ رسميا اعتبارا من الأول من أكتوبر المقبل، ولكن ليس من المتوقع أن تؤثر على فواتير الغاز حتى نوفمبر أو ديسمبر المقبلين بسبب اللوائح التي تحمي المستهلكين من تغيرات الأسعار.
وتوجه حكومة المستشار أولاف شولتس الدعوات المستمرة إلى بذل مجهود وطني لخفض استهلاك الطاقة التي ارتفعت أسعارها بشدّة، والتي قد تتقلّص إمداداتها هذا الشتاء بسبب الحرب في أوكرانيا. ويخشى أكبر اقتصاد أوروبي شتاءً صعباً بسبب أزمة الطاقة التي حذّر وزير الاقتصاد من تداعياتها على القطاع. وأطلقت الحكومة حملة موجهة إلى الشركات والمواطنين للحدّ من استخدام مكيّفات الهواء واستخدام المواصلات العامة.
Discussion about this post