العالم الاقتصادي – رصد
تحولت محطة القطارات المركزية الضخمة في ميلانو معرضا فنيا عن “عالم بانكسي” يتضمن نسخا بالحجم الفعلي للّوحات الجدارية الاستفزازية لفنان الشارع الذي يحرص على إبقاء هويته طيّ الكتمان منذ بداياته في التسعينات من القرن الماضي.
ولا يُعرف عنه سوى أنه بريطاني يتحدّر من بريستول. وتعرض أعماله على موقعه الإلكتروني وحساب في إنستغرام يتابعه 5 ملايين مشترك.
ويرى البعض أن جزءا كبيرا من نجاح بانكسي أو بالأحرى شعبيته يُنسب إلى كونه مجهول الهوية. وهو تناقض بحدّ ذاته إذ أن الشهرة أتت من كتمان الهوية.
وفيما تحقق أعمال بانكسي أرقاما قياسية في المزادات، ومنها اللوحة الذاتية التلف جزئيا “الفتاة مع البالون”، التي بيعت بـ4.25 مليون دولار، يهدف المعرض الذي يفتتح الجمعة إلى جعل فنّه في متناول الجميع.
وأوضح أمين المعرض مانو دي روس، أن “الفكرة تتمثل في جعل الناس يسافرون من دون الحاجة إلى السفر فعليا حول العالم لمشاهدة أعمال بانكسي، وخصوصا أن معظمها تعرض للتدمير أو الحجب أو السرقة”.
وتُعرض أكثر من 130 لوحة جدارية وطباعة شاشة حتى السابع والعشرين من فبراير في قاعات هذه المحطة، وسط ديكور يعيد بأمانة إنتاج عالم فنان بريستول الغامض.
وأضاف مانو دي روس “أعدنا إنتاج الجدران التي رسم عليها بانكسي، والطوب، والخرسانة، وأوساخ الشوارع، والتلوث”. وتولت مجموعة من فناني الغرافيتي الشباب والطلاب تنفيذ اللوحات الجدارية.
ومن بين المعروضات عدد من أبرز أعمال بانكسي وأكثرها شهرة، كلوحة “رامي الزهور” التي تمثّل شابا يهم بإلقاء باقة من الزهور على شكل زجاجة “مولوتوف” حارقة، ورسوم تمثل حيوانه المفضل الجرذ، إضافة إلى أعمال أحدث زمنيا، نادرا ما عُرضت من قبل.
وتشمل هذه الأعمال جدارية “أتشوم !!” التي نفذها في بداية جائحة وباء كورونا عام 2020 وتجسّد عجوزا تعطس إلى درجة أنها تفقد طقم أسنانها، ولوحة من سنة 2021 تمثّل هاربا من سجن ريدينغ في إنجلترا يفرّ مع آلته للكتابة، في إشارة إلى الكاتب الأيرلندي أوسكار وايلد الذي أودع هذا الحبس في تسعينات القرن التاسع عشر.
ويشجع المعرض الآلاف من المسافرين الذين تعجّ بهم يوميا محطة ميلانو على “التوقف وتخصيص بعض الوقت للتفكير” من خلال الانغماس في عالم بانكسي الغامض، على قول مانو دي روس.
وأضاف القيّم على المعرض أن أعمال بانكسي تنطوي على “رسائل لغايات إنسانية من خلال الاستفزاز والسخرية”.
ويعتمد بانكسي في فنه نهجا ساخرا وملتزما في آن، إذ يندد بالنزعة الاستهلاكية والامبريالية الأميركية أو بالحرب، كما في تغييره صورة الطفلة الفيتنامية الشهيرة التي تعرضت لحروق جراء النابالم خلال حرب فيتنام، حيث أظهرها الفنان البريطاني محاطة بشخصيتي ميكي ماوس.
وردا على سؤال عما إذا كان بانكسي أجاز إقامة معرض لأعماله، قال دي روس “كلا، فبانكسي لا يعطي الضوء الأخضر للمعارض التي لا ينظمها بنفسه، لكنه لا يمنعها على الإطلاق”.
يذكر أن عاصمة الموضة ميلانو قد استضافت سنة 2018 معرضا مخصصا لفنان الشارع الأشهر بانكسي، الذي يثير شغفا نادرا حول العالم بفنّه الذي يتّخذ منه وسيلة للتعبير والاحتجاج رغم الغموض الذي يكتنف هويته.
وضم المعرض حوالي 80 عملا بينها نحو ستين غلافا لأقراص فينيل وأخرى مدمجة رسمها بانكسي لفرقة بلور للروك أو باريس هيلتون على سبيل المثال، وهي ناحية من نتاجه غالبا ما يجهلها الجمهور.
ولم يأذن بانكسي حينها بإقامة هذه الفعاليات، فكان تنظيمها “صعبا جدا، كما لو كان المرء يتعاون مع شبح”، على حدّ قول القيّم على هذا الحدث جاني مركوريو آنذاك.
Discussion about this post