العالم الاقتصادي- رصد
تتسارع آثار الأوضاع الاقتصادية العالمية غير المستقرة على الأسواق المصرية، وبدأ المصريون ينتبهون إلى نقص السيارات الجديدة المطروحة للبيع إضافة إلى شح قطع الغيار، وخطوط الإنتاج الجديدة في الملبوسات لموسم الشتاء المقبل، كما أن العملات الأجنبية اللازمة لشراء الضروريات مثل الحبوب والوقود بدأت تنفد، بعد أن ضيّقت الحكومة على الواردات للاحتفاظ بالدولار الأميركي.
ثلث المصريين الذين يعيشون في فقر، ومعهم الملايين الأخرى، يتدبرون أمورهم في ظروف سيئة، يشعرون أن الحياة اليومية باتت اليوم أصعب بكثير من عدم توفر الملابس والسيارات الجديدة في موسمها، حسب ما كتبت آية البطراوي في “أسوشيتد برس“، فهم يواجهون صعوبات أكبر في كسب لقمة العيش. حيث لا يزال الاقتصاد متعثّرا بعد عقد من الاضطرابات السياسية التي هزت أكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان، فعانى اقتصادها كثيراً ليتلقى هذه الأيام ضربات جديدة.
لحم الدجاج رفاهية
تيموثي كالداس: مبدأ “الخبز مقابل الحرية” انتهك منذ فترة طويلة
عاملة النظافة المصرية ”فاطمة“ البالغة من العمر 32 عاما والتي تعيش في القاهرة، تقول إن عائلتها توقفت عن شراء اللحوم الحمراء منذ خمسة أشهر. كما أصبح الدجاج رفاهية. فأصبحت تستدين من أقاربها لتغطية حاجياتها. وهي قلقة من تأثير ارتفاع الأسعار على النسيج الاجتماعي في مصر.
وتخشى الفتاة التي طلبت حجب اسمها الحقيقي، من أن تزداد الجريمة والسرقة في مثل هذه الظروف، مضيفة قولها “الناس لن يكون لديهم ما يكفي من المال لسدّ حاجاتهم الغذائية”.
وقد اعتمد معظم المصريين على الحكومة لعقود للحفاظ على السلع الأساسية في متناول الجميع، لكن هذا العقد الاجتماعي يتعرض إلى ضغوط بسبب تأثير الحرب الروسية في أوكرانيا. فقد سعت مصر للحصول على قروض لسداد قيمة واردات الحبوب من الخبز المدعوم من الدولة، كما أنها تصارع ارتفاع أسعار المستهلكين مع انخفاض قيمة الجنيه المصري، بينما أثار التهديد بانعدام الأمن الغذائي مخاوف لدى أكبر مستورد للقمح في العالم الذي يأتي بـ80 في المئة من حبوبه من منطقة البحر الأسود التي مزّقتها الحرب.
تيموثي كالداس، محلل الاقتصاد السياسي في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط بواشنطن، يرى أن عقودا مثل الخبز مقابل الحرية انتهكت منذ فترة طويلة، فقد ارتفع معدل التضخم السنوي في مصر إلى 15.3 في المئة في أغسطس الماضي، مقارنة بما يزيد قليلا عن 6 في المئة في الشهر نفسه من العام الماضي. وسجل الجنيه المصري مؤخرا مستوى قياسيا منخفضا مقابل ارتفاع الدولار، حيث وصل إلى 19.5 جنيه مقابل دولار واحد. وأدى ذلك إلى اتساع العجز التجاري والميزانية مع انخفاض الاحتياطيات الأجنبية اللازمة لشراء الحبوب والوقود بنحو 10 في المئة في مارس هذا العام، بعد فترة قصيرة من الغزو الروسي الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، في حين سحب المستثمرون المليارات من الدولارات من مصر.
وتجد مصر نفسها أمام خيارات قليلة للتعامل مع الثغرة في مواردها المالية، لكنها كررت ما فعلته في الأزمات السابقة، ولجأت إلى حلفائها في الخليج وإلى صندوق النقد الدولي.
ويمكن أن يدعم قرض جديد من صندوق النقد الدولي الاحتياطيات الأجنبية المتضائلة في مصر، بعد أن تراجعت إلى 33 مليار دولار بهد أن كانت نحو 41 مليار دولار في فبراير. لكنّ قرضا جديدا سيثقل الدين الخارجي المصري المتضخم الذي قد قفز من 37 مليار دولار في 2010 قبل انتفاضات الربيع العربي إلى 158 مليار دولار اعتبارا من شهر مارس الماضي، وفقا لبيانات البنك المركزي المصري.
المساعدات لا تكفي
وتقول الحكومة إن جائحة كوفيد – 19 تقف وراء التحديات التي أضرت بصناعة السياحة الحيوية، وإن صدمات الأسعار ناتجة عن الحرب في أوكرانيا. كما يتهم مسؤولوها الثوار وأولئك الذين دعموا الإخوان المسلمين بالإضرار بحالة الاستقرار وخلق مناخ مضطرب.
وتساءل الرئيس عبد الفتاح السيسي في تصريحات متلفزة بُثّت خلال الشهر الحالي قائلاً “لماذا لا تريد دفع تكلفة ما فعلته في 2011 و2013؟ كان لما فعلته تأثير مدمّر على اقتصادك”.
وكان يشير إلى الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس المصري الذي حكم لفترة طويلة وأدت إلى فترة رئاسة للإخوان المسلمين مثيرة للانقسام أدّت إلى استيلاء الجيش على السلطة بدعم شعبي وصعود السيسي إلى الرئاسة.
وأوضح السيسي أن تداعيات تلك السنوات كلفت مصر 450 مليار دولار، وهو ثمن يرى أن على الجميع تحمله مضيفاً قوله “سنحل هذه المسألة معا. وسندفع تكلفتها معا”.
ومع ذلك، يجادل المنتقدون بأن الحكومة أهدرت فرصا لإجراء إصلاحات حقيقية وهي تفرط في الإنفاق على المشاريع الضخمة الزائدة عن الحاجة لأنها تبني عاصمة إدارية جديدة. كما دأبت على الترويج لسوق البناء باعتباره منتجا للوظائف ومحركا اقتصاديا.
وقال حسنين مالك رئيس أبحاث الأسهم في ”تليمر ريسيرش“، وهي شركة لتحليل الاستثمار في الأسواق الناشئة، إن سيطرة الدولة على الاقتصاد و”الدور الضخم الذي تلعبه المؤسسات المرتبطة بالجيش” أدى إلى مزاحمة المستثمرين الأجانب والقطاع الخاص، معتبراً أن خطط الحكومة لبيع حصص أقلية في بعض الشركات المملوكة للدولة “لا تحل بالضرورة هذه المشكلة”.
ثمن الاستقرار.. أزمة نقص المواد وغلاء الأسعار ترهق المواطن
لكن في الوقت نفسه، يمكن للنخبة في مصر أن تتحمل ارتفاع التكاليف وتعيش بشكل مريح في شقق مطلة على النيل ومجتمعات مسوّرة خارج صخب القاهرة. وتقول مها، وهي موظفة في شركة تكنولوجيا وتبلغ من العمر 38 عاما وأمّ لطفلين، إن حياة المصريين من الطبقة المتوسطة تتدهور. وتضيف “أعتقد أننا سننحدر في نهاية المطاف على السلم الاجتماعي وينتهي بنا الأمر تحت خط الفقر“.
نالت الحكومة المصرية قرضا قيمته 500 مليون دولار من البنك الدولي هذا الصيف و221 مليون دولار من البنك الأفريقي للتنمية للمساعدة في شراء القمح، ويغطي ذلك حوالي ستة أسابيع من برنامج دعم الخبز لدعم 70 مليون مصري من ذوي الدخل المنخفض.
كما ساعدت الصين في مقايضة عملة بقيمة 2.8 مليار دولار، وتدخلت السعودية والإمارات وقطر بتعهدات بقيمة 22 مليار دولار في شكل ودائع واستثمارات قصيرة الأجل.
وعن ذلك يقول ديفيد باتر، الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ”تشاتام هاوس“، إن “وجود ما يسمّونه الاستقرار في مصر هو في مصلحتهم الإستراتيجية. إنهم لا يريدون تكرار ما حدث في 2011 وما بعده“، مشيراً إلى أن استثمارات دول الخليج الإستراتيجية في مصر على المدى القصير والطويل.
وأعلنت الحكومة عن برنامج حماية اجتماعية “استثنائي” ستطلقه خلال الشهر الحالي، ويستهدف 9 ملايين أسرة بتحويلات نقدية ممتدة وقسائم طعام. ويأتي هذا على رأس برامج المساعدة الأخرى، بما في ذلك الأكشاك التي تبيع المواد الغذائية الأساسية المدعومة. ويشير المسؤولون إلى كيفية إدارتهم لأزمة الإمدادات الناجمة عن الوباء والحرب في أوكرانيا، قائلين إن هناك ما يكفي من القمح والمواد الغذائية الأساسية الأخرى لمدة ستة أشهر.
لكن الهجرة تفتح باب الأمل أمام البعض. ويأتي المصريون بعد الأفغان كأكبر جنسية “للمهاجرين غير النظاميين” إلى أوروبا حتى الآن هذا العام، وفقا لمخطط تدفق المنظمة الدولية للهجرة. ويصل معظمهم عن طريق البحر.
– العرب-
Discussion about this post