بقلم: محمد النجم
زرتُ إحدى الهيئات العامة المعنية بالشأن الاقتصادي، وقبيل دخولي إلى مكتب المدير العام حضر خبير اقتصادي وعضو إحدى غرف التجارة السورية لذات الغاية، وكنتُ قد بدأتُ حواراً سريعاً مع مديرة الترويج في الهيئة حول الوضع الاقتصادي والمعيشي قبل دخول الضيف، واستأنفنا الحوار حول أجواء التفاؤل بالعام الجديد والتي تنتاب الكثيرين، أملاً في أن تمضي هذه المحنة الاقتصادية إلى غير رجعة.
أحببتُ أن أشركَ الضيف في حديثنا التفاؤلي وقلتُ: لا ندري إن كان التجار متفائلين في العام الجديد أم لا!! فرد الضيف بطريقة جميلة طرح من خلالها أفكاراً عديدة دفعتني لأن أنسج منها هذه المقالة.
في البداية قال الخبير الاقتصادي: “إذا أردنا أن نحقق نتائج ملموسة مفيدة وذات جدوى علينا أن نفكر بطريقة صحيحة قبل أن نبدأ بأي نشاط اقتصادي؛ فمثلاً علينا قبل أن نبدأ مرحلة البناء أن ندرس طبيعة التربة لنعرف إن كانت صالحة للبناء أم لا، وهذا أمر بديهي في كل دول العالم، وعلينا ألا نتفاجأ بانهيار أو تصدع الأبنية التي قد نشيدها هنا وهناك في غير أمكنتها المناسبة”..
وتابع قائلاً: “لا يمكن لأي مستثمر أن يضع أمواله في رمال متحركة أو أن ينفذ مشروعاً ما على أرض غير ثابتة، ولهذا يجب أن نوجد الأرضية الثابتة الصلبة للاستثمار ونسأل أنفسنا: لماذا يحجم المستثمر الخارجي عن الاستثمار في سورية؟ علينا أن نجد الإجابة عن هذا السؤال ونبدد الهواجس كي تدور عجلة الاقتصاد مجدداً”..
أجواء القلق والترقب التي تسود الشارع وحتى الكواليس الاقتصادية كان لها نصيب من الحديث المشترك بحثاً عن بارقة أمل تنعش آمال الجميع فقال الخبير: “صحيح هناك حصار لكن يمكننا فعل الكثير ولدينا إمكانات وخبرات وطنية ورؤى مستقبلية للخروج من عنق الزجاجة بسلام، لكن ذلك بحاجة إلى تضافر كل الجهود وإشراك الجميع في تحقيق نهضة سورية، وهذا الأمر من شأنه أن يحقق تشاركية مهمة في الاقتصاد الوطني، وهي غير قابلة للتصدع مهما كانت التحديات”.
لم يغب الإعلام عن حديث الخبير الاقتصادي لكنه اختصر الكلام بقوله: “التناقض في العمل الإعلامي أمر مكروه لاسيما في الشأن الاقتصادي إذا لا يجوز أن يتحدث أحد ما حول قضية ما ويكتب الصحفي شيئاً آخر مغايراً، هذا ليس من المصداقية ولا المهنية بشيء فضلاً عن كون هذا الفعل لا يسهم في تحقيق أي نهضة اقتصادية كما يجب أن يكون”..
قد يجد البعض وربما الكثير في أحاديث التفاؤل هذه شعراً موزوناً أو حديثاً، وبغض النظر عن الإشكاليات الكثيرة التي قد يفتحها النقاش حول كل فكرة من هذه الأفكار، سواء باتجاه القطاع الخاص الزراعي والصناعي والتجاري، أو باتجاه وزارات ومؤسسات وهيئات الدولة، لكن الأهم أن نجداً حلاً للوضع الصعب والخانق لنسبة كبيرة من السوريين، فالهوة بين المدخول والنفقات تزداد اتساعاً بالنسبة لأصحاب الدخول المحدودة، أمام أسعار حارقة خارقة لجيوب هؤلاء لدرجة الإفلاس، ولهذا الأخير تبعاته الخطيرة اقتصادياً واجتماعياً وصحياً أيضاً، في مرحلة بدا واضحاً أن الأطراف الشريكة في فرض الحصار على بلادنا لا ترى ضيراً من ممارسة مزيد من الضغوط دون اكتراث بمعيشة المواطن ولا بصحته ولا حتى بظروف انتشار جائحة كورونا التي تستفز الجميع ما عدا الدول التي تنصب العداء للسوريين، وآخر من حرر موقف بريطانيا التي جددت نيتها مواصلة سياسة العقوبات على سورية بعد ساعات من انفصالها عن الاتحاد الأوربي، وهو مؤشر مهم على ضراوة المعركة الاقتصادية القادمة في المدى المنظور والمتوسط والبعيد.
مهم في هذه اللحظات العصيبة على عموم السوريين أن يبتعد أصحاب الشأن والقرار الاقتصادي عن التفكير بالمصلحة الفردية الضيقة ويتجهون بسرعة إلى التفكير بعقل كلي وجماعي ينقذ البلد، ويجنب معظم السوريين الوقوع في شرك الفاقة والعوز، بعيداً عن التبريرات التي يتلطى خلفها الكثير من التجار وهي “ارتفاع الشوئسمو” لأنها في كثير من الحالات غير صحيحة وغير واقعية.
لا يجوز لرجال الأعمال المقيمين أو المغتربين أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام ما يجري لاقتصاد بلدهم، باستطاعتهم فعل الكثير.
هناك من فعل الكثير، لكن صعوبة الموقف بحاجة إلى جهود أكبر ومبادرات أكثر، فسورية بلد الجميع، ليس فقط بالأخذ بل بالعطاء أيضاً..
Discussion about this post